"الدفاع المتقدّم": هل حماية إسرائيل تبدأ من عمق أراضي جيرانها؟

اسرائيليات 26-10-2025 | 10:42

"الدفاع المتقدّم": هل حماية إسرائيل تبدأ من عمق أراضي جيرانها؟

هل يمثل السعي الإسرائيلي لترسيخ مناطق عازلة محتلة خارج حدودها، استراتيجية أمنية "ثابتة" تهدف إلى تغيير دائم للواقع الجغرافي والأمني في المنطقة؟
"الدفاع المتقدّم": هل حماية إسرائيل تبدأ من عمق أراضي جيرانها؟
نتنياهو يشارك في حفل تأبين رسمي للجنود الذين قتلوا في حرب غزة. (أ ف ب)
Smaller Bigger

تُشكّل استراتيجية "الدفاع المتقدم" الإسرائيلية، التي تجلّت بوضوح في المطالبة أو السعي لإنشاء "مناطق أمنية عازلة" في أراضي دول الجوار (قطاع غزة، جنوب لبنان، وربما مناطق جنوب سوريا)، نقلة نوعية في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.

هذا المفهوم يعكس قناعة متزايدة لدى المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بأن حماية العمق الإسرائيلي لم تعد ممكنة بالاعتماد على الحدود الدولية فقط، بل يجب أن تبدأ من أراضي "العدو".

تاريخياً، اعتمدت إسرائيل على التفوّق الجوّي والردع، لكن بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والفشل الاستخباري والأمني الذي كشفته، بات هناك تركيز مكثف على "العمق المادي" كخط دفاع أول.

الأهداف المعلنة لهذه المناطق هي منع الهجمات البرية المباشرة واعتراض عمليات التسلل والحفاظ على المستوطنات الحدودية آمنة، بينما تكمن أهدافها غير المعلنة في إعادة تعريف قواعد الاشتباك وتأكيد السيطرة الإقليمية.

الإشكالية هي: هل يمثل سعي إسرائيل لترسيخ مناطق عازلة محتلة خارج حدودها استراتيجية أمنية "ثابتة" تهدف إلى تغيير دائم للواقع الجغرافي والأمني في المنطقة، أم هو تكتيك موقت يهدف إلى خلق وقائع على الأرض لاستغلالها كورقة ضغط قصوى في أي مفاوضات مستقبلية لتوقيع اتفاقيات سلام أو ترسيم حدود جديدة؟


العقيدة الإسرائيلية الجديدة

يرى أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور حسين الديك، في حديث لـ"النهار"،  أن إسرائيل تبنّت أخيراً عقيدة عسكرية جديدة تقوم على مفهوم "الحرب الوقائية" أو ما يسمّى "الدفاع المتقدم".

تنطلق هذه الاستراتيجية من قناعة أساسية بأن إسرائيل لا ينبغي أن تظل محصورة داخل حدودها لتتعرض للهجوم، كما حدث في 7 أكتوبر، بل يجب عليها أن تذهب إلى "الكيانات الموجودة تحت الدولة"، سواء كانت تنظيمات مسلحة أو حركات تحرر وطني أو دولاً، والعمل على تدميرها والقضاء عليها.

هذه العقيدة تتجسد بشكل أساسي في السعي لإقامة مناطق عازلة واسعة في الدول المجاورة لحماية الأمن القومي الإسرائيلي، كمناطق عازلة في سوريا، ومناطق عازلة في لبنان، وأخرى في قطاع غزة.

وفق الديك أيضاً، تُعدّ هذه المناطق العازلة استراتيجية عسكرية إسرائيلية تهدف إلى المحافظة على أمنها القومي على المدى الطويل. وفي حال الذهاب مستقبلاً إلى أيّ تسويات سياسية، قد تقوم إسرائيل بإعادة الانتشار من هذه المناطق، لا بالانسحاب الكامل، لاستخدامها كورقة ضغط في المفاوضات.

فعلى سبيل المثال، في مفاوضات الوضع في سوريا، قد تتراجع إسرائيل عن السيطرة على بعض المناطق العازلة، لكنها ستبقى متمسكة بالجولان السوري المحتل.

أما في قطاع غزة، فنظراً لضيق المساحة الجغرافية، يُقدّر الديك أن إسرائيل تسعى إلى وجود دائم، وأن فكرة إقامة دولة فلسطينية أصبحت بعيدة المنال. بل إن غزة أصبحت عملياً تحت نظام وصاية وانتداب على غرار تجربة حاكم العراق بول بريمر، مع تعيين مبعوث أميركي لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار.

ويرى أن السيطرة على قطاع غزة ستتم تدريجاً، بدءاً من مساحة الـ52% التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي حالياً، وصولاً إلى ما بقي من القطاع.

 

التهجير كهدف استراتيجي
يحذّر الديك من استراتيجية إسرائيلية قائمة على التهجير القسري والتطهير العرقي لسكان الأراضي المحتلة في غزة ولبنان وسوريا.

الهدف هو تحويل هذه المناطق إلى مناطق عسكرية أو خط دفاع أول يسهل على الجيش الإسرائيلي التحرك فيها في أي مواجهة مستقبلية.

لذلك، فإن استراتيجية إفراغ المناطق الحدودية من سكانها وتهجيرهم وفرض سلطة الأمر الواقع ومنع عودتهم هي هدف استراتيجي. وهذا يعني أن التهجير حقيقة، ولن يُسمح بالعودة لا في قطاع غزة، ولا في جنوب سوريا، ولا في جنوب لبنان، وهي خلاصة العقيدة العسكرية الجديدة بعدما نجحت "حماس" في 7 أكتوبر باجتياز السياج الفاصل والدخول إلى المستوطنات الإسرائيلية.


هل تحقق المناطق العازلة الأمن لإسرائيل؟

يرى الخبير الفلسطيني أن الأمن القومي الحقيقي لإسرائيل بحاجة إلى "اتفاق سياسي شامل، وليس مجرد مناطق عازلة أو قوة عسكرية"، مستشهداً بالاستقرار الأمني على الحدود مع مصر والأردن بعد توقيع اتفاقيات السلام.

ومع ذلك، يقرّ بأن هذه المناطق العازلة تُعد أداة ناجعة وفاعلة في مواجهة أي عمليات تسلل أو تدخل بري على غرار ما حدث في أكتوبر 2023.

ولكن على صعيد الأمن القومي الاستراتيجي وفي ظل تطور التقنيات العسكرية، فإن المناطق العازلة وحدها لا تكفي، وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الطويل المدى يبقى مرهوناً باتفاق سياسي ما بين إسرائيل وجيرانها.

تُظهر هذه الصورة الجوية المباني المدمرة في حي الرمال بمدينة غزة. (أ ف ب)
تُظهر هذه الصورة الجوية المباني المدمرة في حي الرمال بمدينة غزة. (أ ف ب)

القرار الأول بيد ترامب

يشير الكاتب والباحث في مركز "تقدم للسياسات" أمير مخول، إلى أن إسرائيل تسعى إلى تأسيس معادلة "الدفاع من خارج حدودها"، التي تعني عملياً الهجوم من خارج حدودها في الوقت ذاته.

ويؤكد لـ"النهار"،  أن إسرائيل اليوم غير مهددة على حدودها لا في غزة، ولا في الضفة الغربية، ولا في لبنان، ولا في سوريا.

يرى مخول أن إسرائيل تسعى للتوسع وفرض حدود أمنية وسياسية جديدة، وتنجح في ذلك بمفهوم تقاسم النفوذ مع تركيا، وتتدخل مباشرة في منطقة السويداء (جبل العرب)، وتسعى للسيطرة على الحدود اللبنانية من الجانب السوري.

لكن المسألة في غزة أكثر تعقيداً لعدة أسباب، منها صغر المنطقة، وإدارتها أميركياً ودولياً وعربياً ومصرياً، وإسرائيل تريد الحضور في غزة ليس للدفاع عن نفسها، بل لمنع قيام دولة فلسطينية تربط الضفة بغزة، ومنع وجود السلطة الفلسطينية في القطاع.

عملياً، بعد تحقيق إسرائيل هدفها الأهم وهو القضاء على جبهة الإسناد ووحدة الساحات، أصبحت في وضع عسكري مريح، لكنه ليس مريحاً سياسياً.


الرقابة الأميركية
يؤكد مخول أن صاحب القرار الإسرائيلي الأول هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإسرائيل أكثر تبعية للإدارة الأميركية من أي وقت مضى. وكل ما سيجري مرهون بالضغط العربي على ترامب واحتياجاته من الواقع العربي.

يوضح الكاتب الفلسطيني أن ترامب خطا خطوة عالية الخطورة بالنسبة لإسرائيل وهي عدم السماح لها باحتكار العلاقة مع الولايات المتحدة، حيث أصبح لواشنطن علاقات مع دول عربية كبرى (مصر، السعودية). ونتيجةً لذلك، أصبحت يد إسرائيل مكبّلة أكثر رغم توسعها العسكري، إذ لم يعد بإمكانها تجاوز هذه العلاقات، كما حدث عندما قال ترامب "لا للضمّ" في الضفة الغربية لأنه يؤثر على اتفاقيات أبراهام ومساعي التطبيع مع السعودية.

يعتقد مخول أن المنطقة ذاهبة في المجمل إلى الاستقرار والتهدئة، لكنها لن تذهب باتجاه السلام، وسيكون هناك حلول فيها مزيج من السياسة والأمن معاً.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/25/2025 6:14:00 AM
حكم بالسجن المؤبّد من دون إمكانية الإفراج المشروط على الجزائرية ذهبية بنكيرد (27 عامًا)، بعد إدانتها باغتصاب وتعذيب وقتل الطفلة الفرنسية لولا دافيت
لبنان 10/25/2025 8:33:00 PM
وُلد حمدان في 19 كانون الثاني (يناير) عام 1944، في قرية عين عنوب، قضاء الشوف في لبنان.
النهار تتحقق 10/25/2025 8:25:00 AM
تصريح منسوب إلى قائد فيلق القدس عن تشكيل الحكومة الجديدة في العراق. ما صحّته؟