مات النووي، عاش الباليستي!
"ما من تخصيب نووي غير معلن في إيران... لا تخصيب يجري في الوقت الراهن، بما أن منشآتنا التخصيبية تعرضت للهجوم".
بطريقة غير مباشرة، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأحد نجاح الضربات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة في تعطيل البرنامج النووي الإيراني لمدة طويلة.
في هذا الإطار، ذكر الكاتب في صحيفة "جيروزاليم بوست" يوناه جيريمي بوب أن تقييم المصادر في الجيش الإسرائيلي يطابق هذا الكلام ويرجح تأخر البرنامج بين عامين إلى 3 أعوام على الأقل. الأهم، بحسب الكاتب، أن الملف النووي تراجع إلى المرتبة الثانية أمام ملف الصواريخ الباليستية هذه السنة. فإسرائيل قررت شن الحرب في حزيران/يونيو، لا بعده، بسبب امتلاك إيران تكنولوجيا تسرّع وتيرة تصنيع الصواريخ، مما منحها القدرة على رفع العدد من نحو 2500 صاروخ عشية الحرب، إلى 6 آلاف السنة المقبلة.

وذكر "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في تقرير أصدره قبل أقل من شهر أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر توقف الأعمال في المنشآت الأساسية الثلاث لتخصيب اليورانيوم. في أصفهان مثلاً، لا يزال الحطام على الطرق يمنع الوصول إلى العديد من المباني. "من الواضح أن الضربات الأميركية أوقفت فعلياً تخصيب اليورانيوم ومعالجته في تلك المنشآت الحيوية". وكان لـ"معهد العلوم والأمن الدولي" خلاصة مشابهة إلى حد بعيد عن وضع البرنامج النووي، من دون أن يعني ذلك أنه انتهى تماماً.
إذن، بات هذا البرنامج وراء المرشد علي خامنئي، لكنه لن يقول ذلك ما دام أن بإمكانه استخدام الورقة في المفاوضات. لا يمكن قول الأمر نفسه عن برنامج الصواريخ الباليستية. في الحقيقة، قال عراقجي عكس ذلك تماماً.
المصانع لا تتوقف
في 29 تشرين الأول/أكتوبر، نقلت "سي أن أن" عن مصادر استخبارية أوروبية قولها إن إيران تعيد بناء ترسانتها الصاروخية، إذ رُصد وصول نحو ألفي طن من بيركلورات الصوديوم، وهي مادة أولية في الصواريخ العاملة على الوقود الصلب، إلى ميناء بندر عباس آتية من الصين.
خلال الحرب، أطلقت إيران بين 550 و630 صاروخاً باليستياً على إسرائيل فقتلت 28 شخصاً وجرحت نحو 3 آلاف. علماً أن نحو 10 في المئة منها فقط أصابت أهدافها، فيما اعترضت المنظومات الدفاعية الصواريخ الأخرى التي اتجهت نحو مناطق مأهولة.
تعد الترسانة الباليستية الآن السلاح الإيراني الوحيد المخفوض التكلفة سياسياً ومالياً على طهران، كي تنشر نفوذها في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد فقدانها نظام الأسد وانحسار قوتي "حزب الله" و"حماس". وتريد أيضاً الاستعداد لجولة قتالية أخرى مع إسرائيل بما أن الأخيرة أوقفت الحرب بضغط من الرئيس دونالد ترامب.

لهذا السبب، قال عراقجي نفسه في مطلع الشهر الحالي إن "قوتنا الصاروخية اليوم تتخطى بكثير ما كانت عليه في حرب الاثني عشر يوماً". وقال مسؤولون إيرانيون لصحيفة "نيويورك تايمز" إن مصانعهم لا تتوقف وإنهم يأملون في الحرب المقبلة إطلاق ألفي صاروخ دفعة واحدة بدلاً من 500 على مدار 12 يوماً. وأشار موقع "ذا وور زون" إلى أن المهاجم يستطيع عادة رفع وتيرة تصنيع صواريخه الهجومية، أسرع مما بإمكان المدافع أن يطوّر صواريخه الاعتراضية. بمعنى آخر، يصب هذا السباق في مصلحة إيران.
لكن حصر السباق في هذا الجانب يجتزئ الصورة.
"الأكبر في التاريخ"
تكمن الصعوبة أمام طهران في وجوب تصنيع عدد كبير من منصات الإطلاق، ما دامت إسرائيل متفوقة جوياً وقادرة على استهدافها بمجرد إطلاق الصواريخ. استطاعت إسرائيل، كما تقول، تدمير ثلثي منصات الإطلاق مما ترك إيران مع نحو 100 منصة وبين 1000 إلى 1500 صاروخ. علاوة على ذلك، ليس واضحاً ما إذا كانت إيران قد عالجت أكبر ثغرة لديها، وهي الاختراق الاستخباري لأجهزتها الأمنية والعسكرية، وبالتالي لجزء حيوي من صناعة قرارها.
في الحرب الأخيرة، شاهد العالم إطلاق أكبر عدد من الصواريخ في التاريخ، بحسب مجلة "ميليتاري ووتش".
هذا التقييم، ولو حمل شيئاً من المبالغة، قد لا يصمد طويلاً... إذا تجددت الحرب.
نبض