أوروبا على أعتاب 2026: "مونرو" أميركي جديد وأسئلة بلا أجوبة
تودّع أوروبا عام 2025 بقمّة تحمل أسئلة سوف تحدّد مصير الاتحاد الجيوسياسي في السنوات المقبلة، لكن الإشكالية الحقيقية أن الأجوبة قد لا تكون متوافرة، وبعضها غير موجود بالأساس.
القمّة الأوروبية الكبرى المقبلة هي اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل من 17 إلى 19 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، حيث سيناقش القادة قضايا حاسمة مثل تمويل أوكرانيا، والوضع في الشرق الأوسط، والأمن والدفاع الأوروبيين، والتوسّع والإصلاحات، والهجرة، وميزانية الاتحاد.
كلّ هذا من المسائل الضاغطة على الدول الأعضاء، وما زاد من حدّتها ما نُشر عن الاستراتيجية الأميركية للأمن القومي والتحوّل في نظرتها إلى الواقع الأوروبي، التي رأت أن أوروبا تواجه "محواً حضارياً" بسبب الهجرة وتراجع معدلات الولادة، وتُحمّل الحكومات الأوروبية مسؤولية عدم الاستقرار أو ضعفها في قضايا مثل الحرب في أوكرانيا.
وتقول الاستراتيجية الأميركية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب: "إن عصر تحمّل الولايات المتحدة أعباء العالم وحدها قد انتهى"، وعلى الحلفاء تحمّل مسؤولية أكبر عن أمنهم بدل الاعتماد الكامل على واشنطن.
ويرى أحد المتخصصين بالشأن الأوروبي، في حديث مع "النهار"، أن "على أوروبا أن تعتمد على نفسها، وهناك إشكالية أن القرارات تُتخذ بالإجماع"، وهذه مسألة صعبة في ظلّ وجود دول "يحكمها اليمين وأخرى تابعة للولايات المتحدة".
أزمة أوكرانيا
الشراكة الأطلسية المشروطة تلقي بأوزانها المالية لناحية زيادة الإنفاق الدفاعي ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى 5 في المئة من الناتج المحلي، والاعتماد على الذات، مع ما يعني ذلك من تحوّل نحو تطوير الصناعات العسكرية. وفوق هذا كله، فإن الاقتصاد الأوروبي يعاني من أزمات نتيجة الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأميركي فور دخوله البيت الأبيض، إلى جانب المنافس الصيني الذي دخل الاتحاد الأوروبي متقدماً عليه في مسائل تكنولوجية عدّة.
هذا الواقع لا يمكن أن يؤمّن متطلبات آلة الحرب الدائرة في أوكرانيا، والحليف الأميركي، الذي كان رأس الحربة في زمن إدارة جو بايدن، بات اليوم يؤدي دور الوسيط ويضع الشروط على الحلفاء قبل الخصوم.
الاستراتيجية الأميركية للأمن القومي، بتأكيدها أن "الالتزام الأميركي مرتبط بقدرة الشركاء على تحمّل أعباء أكبر، لا كمظلّة مفتوحة دائماً"، تعني أن الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا قد يصل إلى مرحلة يتوقف فيها، وهو بالأساس بات خاضعاً لشروط كثيرة.
وعن هذا كله يشرح الصحافي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو شهدي الكاشف، لـ"النهار"، أن الولايات المتحدة "تصرف من جيب غيرها"، فهي تريد إعطاء أراضٍ أوكرانية لروسيا، وتمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، بينما تدفع باتجاه دخولها الاتحاد الأوروبي. وبناءً على ذلك فإن "كل الاستحقاقات أوروبية، وهو ما تراه بروكسل تدخلاً سافراً في سياساتها، وفي الوقت نفسه غير موجودة على طاولة المفاوضات، وملزمة بدفع التكاليف".
ويجد الكاشف أن أوروبا "تراهن على تمترس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلف شروط صعبة التنفيذ، ما يعطي الاتحاد فرصة إنقاذ"، أو أن يذهب ترامب باتجاه قرارات "أكثر واقعية"، وأن "يكتفي بنصر ما، ربما في فنزويلا، وبالتالي يخفّف من الضغط على الأوروبيين".

إشكالية سريالية
قبل قرنين من الزمن، وتحديداً عام 1823، أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جيمس مونرو السياسة الخارجية لبلاده التي ركزت على تنظيم العلاقة بين الأميركيتين وأوروبا.
وهذا ما عُرف بمبدأ مونرو، وخلاصته أنه يُمنع على أوروبا التدخل في شؤون الدول المستقلة في الأميركيتين، مقابل حياد الولايات المتحدة وتعهدها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الحروب الأوروبية.
إن كان الحياد الأميركي قبل قرنين إيجابياً بالنسبة إلى أوروبا على اعتبار أنها كانت سيدة العالم، فإن حياد اليوم سلبيّ بالنسبة إلى القارة العجوز. فقد عادت واشنطن للتركيز على أميركا اللاتينية، وأشارت في استراتيجيتها للأمن القومي إلى أن الإدارة الأميركية الحالية ستعمل على "تنمية المقاومة لمسار أوروبا الراهن داخل البلدان الأوروبية نفسها"، بل ذهبت أبعد من ذلك بالقول إن تراجع حصّة أوروبا في الاقتصاد العالمي ناجم إلى حدّ كبير عن صعود الصين، وإن "التراجع الاقتصادي يطغى عليه احتمال حقيقي وأكثر وضوحاً يتمثل بالمحو الحضاري"، وإذا استمرّت الأمور كما هي الآن "فلن يعود من الممكن التعرّف إلى القارة في غضون عشرين عاماً أو أقلّ".
الواقع يصفه الكاشف بأنه "إشكالية سريالية لأوروبا. فهي تعلم أن عليها إيجاد مخارج وصيغ، وأسوأ ما في الأمر أن هناك اعتراضات على الواقع الحالي لكن لا يوجد بديل أوروبي. البعض يلوم أوروبا على عدم قيامها بمبادرة، وأنها تسير بردود الفعل من دون أن تأخذ زمام المبادرة".
الأمن الاقتصادي
خطة البيت الأبيض أفرزت فصولاً للأمن الاقتصادي، وأكدت أنه "ركيزة أساسية للأمن القومي"، وبناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة "ستمنح الأولوية لإعادة توازن علاقاتها التجارية، وتقليص عجزها التجاري، ومكافحة الحواجز التي تواجه صادراتها، ووضع حدّ للإغراق وغيره من الممارسات المناهضة للمنافسة التي تضرّ بالصناعات والعمال الأميركيين".
ومن النظرة السلبية الأميركية تجاه الشريك الأطلسي أنه من بين المشكلات الأكثر خطورة التي تواجهها أوروبا "أنشطة الاتحاد الأوروبي وهيئات عابرة للحدود تقوّض الحرّية السياسية والسيادة، وسياسات الهجرة التي تُغيّر ملامح القارة وتثير صراعات، والرقابة على حرّية التعبير وقمع المعارضة السياسية، وانهيار معدلات المواليد، وفقدان الهويات الوطنية والثقة بالنفس"، بحسب ما ورد في خطة البيت الأبيض لاستراتيجية الأمن القومي.
نبض