هجوم روسي على الناتو بحلول عام 2029... هستيريا أوروبيّة أم تهديد حقيقي؟

أوروبا 08-12-2025 | 06:03

هجوم روسي على الناتو بحلول عام 2029... هستيريا أوروبيّة أم تهديد حقيقي؟

شددت وزارة الدفاع الألمانية، في تشرين الثاني/ نوفمبر،على ضرورة أن تزيد أوروبا إنفاقها العسكري وتستعد للدفاع عن أراضيها.
هجوم روسي على الناتو بحلول عام 2029... هستيريا أوروبيّة أم تهديد حقيقي؟
جنود في المانيا، (ا ف ب).
Smaller Bigger

تتصاعد التحذيرات الألمانية والأوروبية من احتمال إقدام روسيا على مهاجمة حلف الناتو بحلول عام 2029، ما يدفع أوروبا إلى رفع جاهزيتها العسكرية واستشراف سيناريوات متعددة قد تفضي إلى صراع واسع. وبين خطط التعبئة، والهجمات الهجينة، وتواتر الاستفزازات الجوية، تعيش القارّة هواجس حرب قد تعيد تشكيل أمنها بالكامل.

شددت وزارة الدفاع الألمانية، في تشرين الثاني/نوفمبر، على ضرورة أن تزيد أوروبا إنفاقها العسكري وتستعد للدفاع عن أراضيها. وقد استشهدت الوزارة بمعلومات من المخابرات العسكرية تفيد بأن روسيا تخطط لشن هجوم على حلف الناتو في عام 2029 على أبعد تقدير. وتتوافق هذه المعلومات مع ما نشرته دول أخرى، على الرغم من أنها تتعارض مع تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتكررة بأنه لن يهاجم حلف الناتو أبداً.

يقول الدكتور في القانون والعلاقات الدولية بشارة صليبا، لـ"النهار"، إنّ ما يجري اليوم في أوروبا يعكس حالة من الهستيريا والروسوفوبيا المنتشرة ليس فقط في ألمانيا بل في أوروبا الغربية، فيما لا تشارك كل الدول هذا المزاج؛ فهناك دول مثل سلوفاكيا وهنغاريا، وحتى إيطاليا بدرجة معينة، تشهد انقساماً حيال هذه الرؤية.

ويضيف أن دولاً مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لديها مصلحة في تضخيم "التهديد الروسي" عبر التقارير والتحليلات، لكن هذا بحسب قوله غير صحيح، إذ لم يصدر أي مؤشر سياسي أو تصريح يدل إلى نية روسيا مهاجمة أوروبا أو الاستعداد لاجتياحها. ويرى أن هذا الخطاب يُستخدم لتغطية أزمات اقتصادية عميقة تعانيها هذه الدول، فيتم اللجوء إلى “فزاعة الحرب” وصناعة عدوّ وهمي لخلق حالة خوف داخلية.

ويؤكد صليبا أن روسيا كانت واضحة: هي غير راغبة في مهاجمة أي دولة أوروبية، ولا تملك خطة لذلك، وأن موقفها دفاعي بحت. ويقول إن موسكو لن تبادر إلى الحرب، لكنها ستردّ فقط إذا تعرضت لهجوم مباشر، وعندها سيكون الردّ مدمّراً، بحيث "لن يبقى من يفاوض في أوروبا".

مخطط ألماني سري
وحذّر المسؤولون الألمان مراراً من أن روسيا قد تستعيد قوتها الكافية لتهديد أحد أعضاء حلف الناتو بحلول عام 2029. لكن كبار المسؤولين يعتقدون الآن أن موسكو قد تتحرك في وقت أقرب إذا أدى وقف إطلاق النار الموقت في أوكرانيا إلى إفساح المجال أمام القوات والمعدات.

ووضعت ألمانيا خطة سرية تُعرف باسم "OPLAN"، تهدف إلى تنظيم إرسال ما يصل إلى 800 ألف جندي من قوات الناتو إلى الجبهة الشرقية إذا حاولت روسيا مهاجمة أحد أعضاء الحلف. أُعِدّت الخطة سراً في برلين، ويتم حالياً تسريع تنفيذها بعد تحذيرات استخباراتية من تصاعد نشاطات موسكو التخريبية، وتوغلات الطائرات المسيّرة، وعمليات التجسس في أنحاء أوروبا، ما قد يشير إلى استعداد لمواجهة أقرب مما كان متوقعاً، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

توضح الخطة كيفية نقل القوات الألمانية والأميركية والحليفة من الموانئ والمطارات الغربية إلى الشرق عبر شبكة طرق وسكك وأنهار تعاني ضعفاً شديداً بسبب عقود من نقص الاستثمار. وتشمل أيضاً آليات حماية القوافل من التخريب والهجمات السيبرانية والمسيّرات. وتعترف برلين بأن البنية التحتية الحالية غير قادرة على تحمّل المركبات العسكرية الثقيلة، إذ يحتاج جزء كبير من الطرق والجسور والموانئ إلى تحديثات بمليارات اليوروهات.

وسبق أن اتهمت دول الناتو روسيا في الأشهر الأخيرة بتنفيذ استفزازات عبر اختراقات متكررة لمجالها الجوي بطائرات مسيّرة ومقاتلات. فقد عبرت مسيّرات روسية إلى بولندا، ما أثار مخاوف من اندلاع صراع واسع. كما حلّقت مقاتلات روسية فوق إستونيا، وأُغلق مطار كوبنهاغن بعد رصد مسيّرات مشبوهة، ما عطّل آلاف المسافرين. وظهرت بلاغات عن مسيّرات روسية فوق قواعد أوروبية. رداً على ذلك، بدأت دول أوروبية تعزيز جاهزيتها؛ ففرنسا أعادت الخدمة العسكرية، وبولندا وسّعت التدريب الإجباري، وانسحبت دول حدودية مع روسيا من اتفاقية حظر الألغام، وتستعد أوروبا لإطلاق نظام متطور لمكافحة المسيّرات، بحسب صحيفة "الديلي ميل".


جندي الماني (رويترز)
جندي الماني (رويترز)

 

ألمانيا في الطليعة
وقالت مجلة "نيوزويك" إن ألمانيا تسعى في هذا الصدد لجعل جيشها الأقوى في أوروبا بالنظر إلى التهديد الروسي، حيث سيختلف الصراع الأوروبي مع موسكو اختلافاً كبيراً عن الحرب الاستنزافية التي تشهدها أوكرانيا حالياً. 

وقال نيكولاس دروموند، الخبير الاستراتيجي في شؤون الدفاع المقيم في المملكة المتحدة، للمجلة إن أي صراع مستقبلي مع القوات المسلحة الروسية المعاد تشكيلها سيكون "سريعاً" مع استخدام أكبر للقوة الجوية في الأسابيع الأولى.

ومن المتوقع أن تنفق ألمانيا 153 مليار يورو سنوياً على الدفاع بحلول عام 2029، ما يجعلها ثالث أكبر دولة من حيث الإنفاق في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين.

قد يؤدي ذلك إلى تولي القوات المسلحة الألمانية الدور الرئيسي في تأمين الحماية ضد التهديدات المستقبلية لحلف الناتو في القارة. وبموجب خطط المشرعين الألمان، قد يرتفع عدد أفراد البوندسوير إلى 260 ألفاً خلال العقد المقبل من 182 ألفاً حالياً.

سيناريوات قد تؤدي إلى اندلاع الصراع
وتقول الصحيفة الإلكرونية "الإيسبانول" إنه يجب تحديد ما تعنيه الدول الغربية عندما تتحدث عن "هجوم على الناتو". وفي هذا الصدد، طرحت الصحيفة الإسبانية سيناريوات عدة قد تؤدي إلى اندلاع الصراع بين روسيا والناتو.

أحد السيناريوات هو احتمال أن تشنّ روسيا هجوماً على دول البلطيق، إذ يرى بعض صانعي القرار في موسكو أن تماسك المادة الخامسة من معاهدة الناتو قد يتصدّع عند أول اختبار حقيقي، خاصة إذا تعرّضت إستونيا أو ليتوانيا أو لاتفيا لاعتداء مباشر. وبرغم وجود قوات للحلف على الحدود، تشير التقديرات إلى أن الجيش الروسي قد يتمكّن من تحقيق تقدّم سريع قبل أن يستطيع الناتو تنظيم رد فعّال.

سيناريو آخر يتعلق بممر سوالكي، الشريط الضيق الذي يفصل بين كالينينغراد وبيلاروسيا ويعدّ الشريان البري الوحيد الذي يربط بولندا ودول البلطيق. أي محاولة روسية – مباشرة أو عبر بيلاروسيا – للسيطرة على الممر قد تعزل قوات الناتو في الشمال الشرقي وتسبب أزمة استراتيجية خطيرة.

كذلك، تبرز احتمالات التصعيد عبر هجمات الطائرات المسيّرة. تزايدت في السنوات الأخيرة حوادث سقوط طائرات مسيّرة روسية داخل أراضي بولندا ورومانيا، وهو ما تعدّه حكومتا البلدين اعتداءً يستوجب الاحتكام إلى المادة الرابعة من الناتو. وبرغم ذلك، يرى الأمين العام للحلف مارك روته أن الردّ المبالغ فيه قد يحقق لروسيا ما تريده من تصعيد، خاصة أن موسكو تختبر حدود ردع الحلف. لكن تجاهل هذه الحوادث قد يشجع الكرملين على خطوات أخطر، إذ يمكن أن تتحول الاختراقات "غير المقصودة" إلى هجمات واسعة بأعداد كبيرة من المسيّرات التي تعجز الدفاعات الغربية حالياً عن التعامل معها. ويُتوقع أن تتحسن قدرات الناتو في هذا المجال بحلول عام 2029، خاصة بدعم الخبرة الأوكرانية.

وقول الصحيفة إن روسيا تستخدم أساليب الحرب الهجينة، وأبرزها "الهجمات تحت الراية المزوّرة"، حيث تُدخِل مجموعات مسلّحة لافتعال هجوم ثم تلقي باللوم على الطرف الآخر. حدث ذلك في دونباس عام 2014، وقد يتكرر في ترانسنيستريا، المنطقة الانفصالية في مولدافيا الخاضعة لنفوذ موسكو. يمكن لروسيا ادّعاء تعرض مصالح ترانسنيستريا لهجوم وإرسال قوات "لحمايتها"، ما قد يشعل صراعاً مع مولدافيا ويضع رومانيا أمام اختبار صعب. 

يُعدّ سيناريو "القيامة النووية" الأكثر تطرفاً واستبعاداً، لكنه يبقى ورقة تهديد تستخدمها الدعاية الروسية باستمرار. يشمل ذلك الحديث عن غواصات نووية وصواريخ فرط صوتية قادرة على إحالة أوروبا إلى رماد في دقائق. 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/8/2025 6:32:00 AM
تلقّى اتصالاً من قيادته الإيرانيّة في الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2024، أي قبل ثلاثة أيام من سقوط الحكم السابق، طلبت منه فيه التوجّه إلى مقرّ العمليات في حيّ المزة فيلات شرقية في العاصمة صباح الجمعة في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2024 بسبب "أمر هام".
المشرق-العربي 12/8/2025 7:07:00 AM
ألقى الشرع كلمة قصيرة بعد الصلاة قال فيها: "سنعيد بناء سوريا بطاعة الله عز وجل، وبنصرة المستضعفين، والعدالة بين الناس"
سياسة 12/7/2025 9:18:00 AM
"يديعوت أحرونوت": منذ مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات، لم يتواصل الدبلوماسيون الإسرائيليون واللبنانيون مباشرةً