في خضم تصاعد الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة وتفاقم أزمة الكهرباء في أوكرانيا، انفجرت فضيحة فساد ضخمة تتعلق باختلاس أموال ورشى في شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة. هذه القضية التي طالت مسؤولين بارزين ومقربين من القيادة، هزت حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي وأثارت تساؤلات حيال الدعم الدولي والجهود الحربية ضد روسيا.

وفي التفاصيل، أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نابو)، الاثنين، أنها كشفت مخطط فساد في قطاع الطاقة يشمل 100 مليون دولار تم غسلها، وأضافت أنه تم توقيف خمسة أشخاص وتوجيه الاتهام إلى سبعة آخرين. وكشفت نتائج تحقيق استمر 15 شهراً وشمل 1000 ساعة من التنصت على المكالمات الهاتفية عن عمليات غسيل أموال وإثراء غير مشروع وتعرض مقاولين لضغوط للحصول على رشى تصل إلى 15%.

فضيحة هزت البلاد
توقيت هذه الفضيحة لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، فيما يسعى المسؤولون الأوكرانيون جاهدين للحصول على أموال أوروبية لإدارة النقص المتزايد في الطاقة، حيث تستهدف موسكو البنية التحتية الحيوية.

كذلك، إن تورط قطاع الطاقة في أحدث فضيحة فساد يمنحها أهمية خاصة، خصوصاً مع قرب فصل الشتاء وبينما يعاني سكان كييف حالياً انقطاع الكهرباء لمدة تتراوح بين 8 و11 ساعة يومياً، نتيجة لتحسن قدرة روسيا على ضرب محطات الطاقة والمحطات الفرعية.

ويمكن أن يعني انقطاع التيار الكهربائي أيضاً توقف التدفئة، وتعطل المصاعد في المباني الشاهقة، وانقطاع إمدادات المياه. وعادة ما تكون الحالة أسوأ في البلدات والمدن خارج العاصمة.

استقالة وزيرين وتورط مسؤولين
بعد استقالة وزيري العدل والطاقة في حكومة زيلينسكي يوم الأربعاء، أقالت الحكومة نائب رئيس شركة "إنرغواتوم"، وهي شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة التي يعتقد المحققون أنها في قلب مخطط الرشوة.

وقالت رئيسة الوزراء يوليا سفيريدينكو في وقت متأخر من يوم الأربعاء إن رؤساء أقسام المالية والشؤون القانونية والمشتريات في شركة "إنرغواتوم" ومستشار رئيس الشركة قد أُقيلوا أيضاً.

واتضح أن تيمور مينديتش، الشريك في ملكية شركة الإنتاج الإعلامي ”كفارتال 95“ التابعة لزيلينسكي، هو العقل المدبر المشتبه به في المؤامرة. وتقول تقارير إنه هرب من البلاد قبل الكشف عن الأمر. وأمر زيلينسكي السلطات بفرض عقوبات عليه.

ماذا عن الجهود الحربية والدعم الدولي لكييف؟
حذر مسؤولو الاتحاد الأوروبي أوكرانيا من أنها يجب أن تواصل مكافحة الفساد في أعقاب الفضيحة التي قد تضر بقدرة البلاد على جذب المساعدة المالية. 

في الوقت نفسه، قالت المفوضية الأوروبية إن الكشف عن المخطط يثبت أن جهود أوكرانيا لمكافحة الفساد تؤتي ثمارها في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى تلبية معايير الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

من جهتها، ذكرت مجلة "فورين بوليسي" بأن فضيحة الفساد الكبرى "تقوّض جهود أوكرانيا الحربية"، إذ كشفت التحقيقات أن الأموال التي خُصصت لتعزيز حماية منشآت الطاقة من الهجمات الروسية قد اختُلست، ما أضعف قدرة البلاد على الدفاع عن بنيتها التحتية الحيوية.


العيون على زيلينسكي
ليست مزاعم الفساد جديدة في أوكرانيا. دخل زيلينسكي، الذي انتخب رئيساً في عام 2019، عالم السياسة متعهداً بالقضاء على الفساد. لكن مزاعم الصفقات الداخلية والفساد استمرت خلال فترة حكمه، وقد أعادت هذه المؤامرة إلى الأذهان محاولته الصيف الماضي لتقليص دور هيئات مراقبة الفساد. لكنه تراجع عن قراره بعد احتجاجات شعبية وضغوط من الاتحاد الأوروبي.

حتى الآن، تمكن من تجنب التورط في فضائح فساد. ومن السابق لأوانه تقييم ما إذا كانت هذه الفضيحة ستلحق ضرراً دائماً بدعم الأوكرانيين له، فيما تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن مستويات الثقة الشعبية فيه لا تزال عند قرابة 60%.

ويراقب الخبراء عن كثب كيفية تعامله مع التحقيق بينما وعد بدعمه، حتى في الوقت الذي تشير فيه السلطات بأصابع الاتهام إلى بعض أقرب حلفائه. 

وقال لـ"بلومبرغ تيليفيجن" يوم الأربعاء: "أهم شيء هو الحكم على هؤلاء الأشخاص المذنبين. لا يمكن لرئيس دولة في حالة حرب أن يكون له أي أصدقاء".

تُبرز الفضيحة تحدياً خطيراً لأوكرانيا في لحظة حساسة، إذ تحتاج الدولة لاستعادة الثقة ودعم الحلفاء، بينما يصبح اجتثاث الفساد شرطاً أساسياً لتعزيز الجبهة الداخلية ومواصلة الصمود.