ميرتس في مرمى الانتقادات... هل يغازل اليمين المتطرّف بخطاب "مظهر المدن"؟
أثارت تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس حيال تغيّر "مظهر المدن" في البلاد بفعل الهجرة جدلاً واسعاً، ولا سيما بعد ردّه على سؤال عمّا يقصده بقوله: "اسألوا بناتكم". وقد تسبّب كلام المستشار بحالة من الاستياء والبلبلة السياسية، وأثار احتقاناً في أوساط من الرأي العام، ما دفع مجموعات عدّة إلى التظاهر تنديداً بمواقفه، خصوصاً أن ألمانيا بلد هجرة، وتعابيره تتنافى في جزء كبير منها مع الواقع.
فهل توصيف ميرتس للمشكلة مشروع أم أنه يعكس نزعة عنصرية تغذّي الكراهية؟ وما أبعاد مواقفه وتداعياتها سياسياً واقتصادياً؟
بؤر الخوف
على وقع الضجة السياسية، وبين من يرى ضرورة تجنّب الغوص في الجدل والتركيز على الأساسيات، برزت مواقف متباينة إزاء تصريحات ميرتس. فقد حظي بدعم من حزبه المسيحي الديموقراطي، إذ قال رئيس وزراء ولاية شليسفيغ-هولشتاين دانييل غونتر، في مقابلة مع قناة "RTL" التلفزيونية، إن "ألمانيا تواجه مشكلة في شعور الناس بعدم الأمان، وكثيرون من ذوي الأصول المهاجرة لا يلتزمون بالقوانين"، معتبراً أن ردود الفعل العنيفة على ما قاله ميرتس أجّجت النقاش دون داعٍ.
في المقابل، رأى ساسة آخرون أن ميرتس "وضع الإصبع على الجرح"، إذ هناك بالفعل "بؤر خوف" في العديد من المدن، وتجمّعات لأشخاص ثملين في محطات القطارات. أما تبدّل "المشهد الحضري"، فيُقصد به – بحسب المدافعين عنه – تصاعد التظاهرات ضد القيم الديموقراطية، والهجمات المعادية للسامية والإسلاموفوبيا، وجرائم المخدرات، والنزاعات بين العشائر المتنافسة في الشوارع.
التعميم مجحف
في المقابل، اعتبر آخرون أن ميرتس سلط الضوء على قضيتين أساسيتين: الصعوبات التي تواجهها الولايات والبلديات في تعزيز الاندماج، والعجز عن ترحيل بعض المهاجرين إلى بلدانهم. غير أن الباحثة في علم الاجتماع والتواصل السياسي، كارولا هونين، شكّكت في دقة توصيف ميرتس للوضع، معتبرة أن "التعميم مجحف بحق المهاجرين".
وأشارت إلى أن محاولة المستشار، قبل أيام من لندن، تبرير تصريحاته بالقول إن "ألمانيا ستظل بحاجة إلى الهجرة لتلبية احتياجات سوق العمل"، لا تُلغي نظرته السلبية تجاه المهاجرين، إذ برّر حديثه بالقول إنه يقصد المهاجرين غير الحاصلين على إقامات شرعية والعاطلين من العمل والمخالفين للقانون. وأضافت أن محاولته منافسة حزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرف على أصوات الناخبين "لن تجدي نفعاً".
وختمت هونين بالقول إن ميرتس، في الواقع، يدين نفسه ووزراءه في الحكومة الاتحادية لتقصيرهم في التنسيق مع السلطات المحلية لترحيل حاملي "إقامة التسامح" (دولدونغ) من المخالفين، وهو مطلب دائم للبلديات في جميع الولايات.

بين الاندماج والكراهية
وبرغم اختلاف المقاربات، رأى مطلعون أن على ألمانيا السعي لتحقيق اندماج فعلي للاجئين، لأن البلاد تحتاج إلى اليد العاملة لدعم الاقتصاد، بدلاً من توجيه اتهامات تزرع الكراهية. كما دعوا إلى تعديل القوانين التي تفرض شروطاً "تعجيزية" في قطاعات عدة، بهدف الاستفادة من طاقات الشباب الساعين لتأمين مستقبلهم.
وأضاف هؤلاء أن على المستشار ووزرائه العمل على خفض الضرائب التي ترهق جيوب المواطنين والمقيمين، وتشجّع كثيرين على الاعتماد على الإعانات الاجتماعية ومكاتب العمل، في وقت تتزايد فيه قسوة السياسة تجاه أصحاب البشرة غير البيضاء.
نزوح الكفاءات
من جهته، يقول المهندس صبحي العجمي، لـ"النهار"، إن ألمانيا تواجه "نزوحاً صامتاً" للكفاءات والمهنيين الأجانب المؤهلين، في ظل تفشّي العنصرية والتمييز، إلى جانب البيروقراطية والضرائب المرتفعة والرواتب غير الجاذبة وصعوبة الحصول على سكن. ويضيف أن بلداناً أوروبية مجاورة توفّر فرص عمل بحوافز أفضل، ما يدفع كثيرين إلى المغادرة.
ويشير العجمي إلى أن سدس الأطباء في ألمانيا يحملون جنسيات أجنبية، وأن البلاد تعتمد على الممرضين وسائقي الحافلات والنقل العام القادمين من أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، داعياً الحكومة إلى توفير ظروف أفضل للعمالة الماهرة.
تقليد لخطاب اليمين المتطرف
بدورها، قالت أستاذة الدراسات الألمانية في جامعة ماربورغ، كونستنزه شبيس، في مقابلة مع شبكة "NDR"، إن ميرتس "يربط موضوع الهجرة بالمشكلات من دون تحديد طبيعتها بوضوح"، مشيرة إلى أنه في لغته يعتمد "استراتيجية الغموض المتعمّد" التي تخلق التباساً في الخطاب العام.
ويرى محللون أن ميرتس يحاول مجاراة خطاب اليمين المتطرف لكبح تصاعد شعبية حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وتعزيز موقع الاتحاد المسيحي. ويؤكد هؤلاء أن "ما يخدم ميرتس فعلاً ليس الاتهامات العامة بحق المهاجرين، بل معالجة المخالفات بالقانون، ومكافحة الأسباب الجذرية للهجرة عبر التعاون الدولي".
وفي السياق نفسه، قال الخبير في الشؤون السياسية فولفغانغ شرودر لشبكة "NDR" الأسبوع الماضي، إن "ممارسات ميرتس تثير أحياناً الشكوك حيال مبادئه، وتُضعف التمييز بين أحزاب الوسط الديموقراطي واليمين المتطرف"، مشيراً إلى أن الدراسات تظهر أن الأحزاب المتطرفة وحدها تستفيد سياسياً من مثل هذه التصريحات.
دعوة إلى التهدئة
وفي خضم هذا الجدل، دعا نائب المستشار ووزير المالية المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي لارس كلينغبايل إلى توخي الحذر في الخطاب السياسي، واعتماد سياسة "بناء الجسور وتوحيد المجتمع بدل تقسيمه عبر اللغة". وقال إن "المظهر الخارجي لا ينبغي أن يحدّد مدى اندماج الفرد في المشهد الحضري"، مشيراً إلى أن "التنوع الذي نتمتع به اليوم هو مصدر قوة لألمانيا".
نبض