أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجاح اختبار صاروخ "بوريفيستنيك" الذي يعمل بالطاقة النووية والقادر على حمل رؤوس نووية، مؤكداً تفوقه التقني وقدرته على تجاوز الدفاعات الصاروخية، في خطوة اعتُبرت تصعيداً جديداً في سباق التسلح العالمي.

استمع بوتين، الذي كان يرتدي الزي العسكري، إلى رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف وهو يعلن أن الاختبار قد نجح وأن الصاروخ ظل في الجو لمدة 15 ساعة وقطع مسافة 14,000 كيلومتر. 

توقيت اختبار الصاروخ جاء في وقت مهم إذ رأى خبراء أنه رسالة موجهة إلى الغرب، بعد فشل خطط عقد قمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفرض عقوبات على أكبر شركتي نفط في روسيا.

واعتبر البعض أن هذه الخطوة كانت تستهدف واشنطن بشكل أكبر ويجب أن يُنظر إليها باعتبارها أقل ارتباطاً بتطورات ساحة المعركة في أوكرانيا وأكثر ارتباطاً بعرض موسكو لتمديد معاهدة "نيوستارت"، وهي آخر معاهدة متبقية للحد من التسلح بين الولايات المتحدة وروسيا. ينتهي سريان المعاهدة في شباط/فبراير. ومن شأن التمديد لمدة عام كما اقترح بوتين في أيلول/سبتمبر، أن يساعد الكرملين على تركيز موارده على الحرب في أوكرانيا، وذلك بتجنب تكبد تكاليف باهظة لتعزيز الأسلحة المنتشرة في وقت تثقل الحرب المكلفة التي تخوضها روسيا كاهل اقتصادها.

ومع ذلك، تعد هذه الخطوة أحدث مثال على الموقف النووي الروسي منذ بدء حرب أوكرانيا، والذي يعزوه محللون إلى محاولات روسيا ردع الولايات المتحدة وأوروبا عن دعم كييف. فمن خلال إجراء تدريبات نووية والتباهي بنجاح اختبار الصاروخ، يوجه بوتين رسالة إلى ترامب مفادها أن موسكو لن تخضع للضغوط لتقديم تنازلات بشأن أوكرانيا. وفي مواجهة دعوة ترامب لوقف إطلاق النار السريع والعقوبات الأميركية الجديدة القاسية، يذكّر بوتين مرة أخرى الولايات المتحدة وحلفاء كييف الغربيين الآخرين بترسانته النووية لدعم مطالبه القصوى طويلة الأمد.

وأشار خبراء إلى أن الاختبار يمثّل استفزازاً أكثر منه تقدماً كبيراً في التكنولوجيا العسكرية.

أما ترامب فانتقد روسيا لاختبارها الصاروخ بدلاً من العمل على إنهاء الحرب، وهو تبادل حاد للكلمات يدل على تدهور العلاقات بين البلدين في الأسابيع الأخيرة. وعندما سأله الصحافيون على متن طائرة الرئاسة عما إذا كان يرى أن الاختبار بمثابة تهديد نووي، قال ترامب إن الولايات المتحدة لديها غواصة نووية قبالة سواحل روسيا ولا تحتاج إلى السفر لمسافة 8,000 ميل.

بوتين (ا ف ب)

هل نجاح اختبار الصاروخ يدعو للقلق؟
شكك خبراء الأسلحة في قدرة الصاروخ على الوفاء بادعاءات موسكو، لكنهم أشاروا إلى أنه قد يكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار في ظل ما يعتبره كثيرون سباق تسلح جديداً في وقت تتسم العلاقات بين موسكو وواشنطن بالتوتر.

وقالت "واشنطن بوست" إن الصاروخ "ليس منيعاً. إنه صاروخ كروز دون سرعة الصوت ويمكن لطائرات الناتو اعتراضه".

كما ذكرت "نيويورك تايمز" أن المحللين يشككون في قدرة الصاروخ على تغيير قواعد اللعبة، ونقلت عن المتخصص في القوات النووية الروسية بافيل بودفيغ قوله: "إنه نظام غير مفيد للغاية... الغرض منه ظاهرياً هو الرد على هجوم نووي أميركي، لكن مثل هذا الهجوم سيستهدف منصات إطلاقه".

وفي التفاصيل، "بوريفيستنيك" الذي يعني "طائر العاصفة" باللغة الروسية، هو أول صاروخ يعمل بالطاقة النووية في العالم. يمنحه هذا الدفع مدى غير محدود تقريباً، ما يسمح له بالتجول لعدة أيام، والالتفاف حول الدفاعات الجوية للعدو والهجوم من اتجاه غير متوقع.

أعلن بوتين لأول مرة عنه في 2018 معلناً أنه سيكون قادراً على تفادي الدفاعات الجوية. استمر تطوير "بوريفيستنيك"، الذي أطلق عليه الناتو اسم "سكايفول"، على الرغم من التقارير التي أفادت بفشل إطلاقه. وقد أدى حادث وقع في عام 2019 إلى مقتل ما لا يقل عن 5 مهندسين نوويين وإصابة آخرين في انفجار اعتقدت واشنطن أنه وقع عندما حاول خبراء روس استعادة نموذج أولي لصاروخ "بوريفيستنيك" الذي تحطم في البحر الأبيض خلال اختبار سابق.

وتنطوي هذه القدرات الفريدة على تحديات تكنولوجية هائلة ومخاطر إشعاعية محتملة. 

وفي حين لم يكشف المسؤولون الروس عن أي تفاصيل حيال هذا السلاح، أشارت تقارير وسائل الإعلام الروسية إلى أنه يمكن أن يحلق على ارتفاعات مخفوضة تصل إلى 50 متراً لتفادي رادارات العدو.

ووصفت روسيا هذا السلاح بأنه رد على الدرع الصاروخي الأميركي الذي طورته واشنطن بعد انسحابها في عام 2001 من اتفاقية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي التي حدّت من الدفاعات الصاروخية. ويخشى المخططون العسكريون الروس من أن يدفع الدرع الصاروخي واشنطن إلى شن ضربة أولى تقضي على معظم الترسانة النووية لموسكو.

توازياً، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا ستعمل على خطة لوقف إطلاق النار مع روسيا "في الأيام العشرة المقبلة"، حاضّاً ترامب على زيادة دعمه لكييف، كما أصدر نداءً جديداً للحصول على المزيد من أنظمة الدفاع الصاروخي في إطار جهود أوسع نطاقاً لتعزيز دفاعات بلاده ضد الهجمات الجوية المستمرة. يدرك زيلينسكي أن ترامب لا يريد التصعيد ولكنه يشدد على أن بوتين لن يجلس إلى طاولة المفاوضات إلا باستعمال القوة.

يُظهر اختبار صاروخ "بوريفيستنيك" أن موسكو ماضية في استعراض قوتها النووية رغم الاعتراضات الدولية، في محاولة لترسيخ نفوذها وردع خصومها. ومع تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، يبقى خطر سباق التسلح النووي مهدداً للأمن العالمي والاستقرار الدولي ودليلاً على أن الزعيم الروسي بعيد كل البعد عن الرضوخ أو السلام.