أموال رقمية في الظل... ألمانيا تواجه صعوبات في كبح تمويل التنظيمات الجهادية

أوروبا 27-10-2025 | 06:00

أموال رقمية في الظل... ألمانيا تواجه صعوبات في كبح تمويل التنظيمات الجهادية

تراكم المبالغ الصغيرة من هذه التدفقات المالية يتحول إلى أرقام كبيرة تكفي للتخطيط لهجمات عنفية من دون أن يُكشف عنها بسهولة.
أموال رقمية في الظل... ألمانيا تواجه صعوبات في كبح تمويل التنظيمات الجهادية
تدفّق بعض الأموال من ألمانيا إلى كيانات تابعة لـ"حماس". (رويترز)
Smaller Bigger

تسعى السلطات الألمانية جاهدةً الى مكافحة ظاهرة تحويل التبرعات إلى تنظيمات متطرفة في الخارج، وسط تدفّق الأموال المنتظمة التي تغذي خزائن هذه الجماعات عبر خدمات الدفع الإلكتروني أو عبر وسطاء. تراكم المبالغ الصغيرة من هذه التدفقات المالية يتحول إلى أرقام كبيرة تكفي للتخطيط لهجمات عنفية من دون أن يُكشف عنها بسهولة، خصوصاً  أن القوانين الألمانية تجعل من الصعب إجراء تحقيقات فعّالة مقارنةً بدول أوروبية أخرى. فبأي ثغرات قانونية وتقنية يواجه المحققون مشكلة تجفيف مصادر تمويل هذه الجماعات، وما الخطوات الحكومية المخطَّط لها في هذا الإطار، خصوصاً أن أشكال الدعم هذه قد تفضي إلى عواقب وخيمة؟

وسائل دفع رقمية
تعددت الآليات التي يَستخدمها أفراد لجمع الأموال وتحويلها إلى جماعات متطرفة وحركات مسلحة في مناطق النزاع، بينها تنظيم "داعش" وحركة "حماس". وفي هذا السياق، كشف فيلم وثائقي عرضته شبكة "ARD" الإخبارية بعنوان "أموال ألمانية للإرهاب" أن الأموال تتدفّق من ألمانيا عبر شبكات سرية وغير رسمية وقنوات خفية، بينما تلعب التحويلات المصرفية التقليدية دوراً ثانوياً. لكن الأهم، ما ذكرته الشبكة نقلاً عن خبير العملات المشفرة جوناثان ليفين، من شركة "Chainalysis" الأميركية، الذي تحدث عن تزايد في استخدام وسائل الدفع الرقمية التي أصبحت تتيح لأي شخص على مستوى العالم إجراء معاملات عابرة للحدود باتباع خطوات بسيطة، كما تُستخدم لجمع تبرعات أو عبر نداءات على منصات مثل "تلغرام".
في هذا الإطار، تفيد المعلومات بأن ناشطاً نمسوياً يُدعى مصطفى أ. لعب دوراً محورياً في حملات جمع التبرعات عبر قناته "غزة الآن" على تطبيق "تلغرام"، ويُقال إنه جمع ملايين الدولارات من خلال منشورات تحتوي رموز الاستجابة السريعة (QR code) لتحويل الأموال إلى محافظ العملات المشفّرة. ووفقاً للمحققين، تدفّق بعض من هذه الأموال إلى كيانات تابعة لـ"حماس". المشتبه به، الموقوف حالياً، والمدرج اسمه على قوائم عقوبات في الولايات المتحدة وبريطانيا منذ آذار/ مارس 2024، ينفي التهم، والتحقيقات مستمرة.
كذلك أظهرت تحقيقات صحافية أن أموالاً ألمانية غالباً ما تصل إلى مخيمات في شمال سوريا تضم عشرات الآلاف من عناصر "داعش". وذكرت هذه التحقيقات أن امرأة تدعى إليف أ. من ميونخ غادرت إلى سوريا عام 2015 وتقوم حالياً بتنسيق التبرعات، وأن محاكم ألمانية دانت أفراداً تعاونوا معها وجمعوا الأموال نيابة عنها. من جهةٍ أخرى، تُشير التحقيقات إلى أن نساء متطرفات في مخيمات "داعش" في سوريا لا يزلن يسعين الى تجنيد مؤيدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام شعارات مثل "تبرع بأموالك للجهاد"، أو عبارات تحدد ثمن بندقية أو مجلة.

 

مسلّح ألماني ينتمي إلى داعش. (وسائل تواصل اجتماعي)
مسلّح ألماني ينتمي إلى داعش. (وسائل تواصل اجتماعي)

 

ثغرات قانونية
في هذا السياق، يقول أستاذ القانون المالي والمصرفي هاندريك أوسترمان لـ""النهار" إن إدانة المستخدمين صعبة لأنهم يستغلون ثغرات في القانون الجنائي. ويوضح أن "المادة 129 من القانون تجرّم من يدعم منظمات مصنفة إرهابية، لكن إثبات أن المساعدة شكّلت دعماً فعلياً للمنظمة أمر ضروري". ويضيف أنه من أجل تجريم تمويل الإرهاب "ليس كافياً إثبات تحويل الأموال إلى جهة مشبوهة فحسب، بل يتعيّن إظهار أن هذه الأموال كانت مخصّصة لتنفيذ أعمال إجرامية مثل القتل أو إزعاج أمن الدولة أو مهاجمة مقار مدنية أو عسكرية أو احتجاز رهائن؛ أي إثبات وجود تجهيزات أو تحضيرات فعلية للهجمات، وأن كل يورو أوفِد لشراء أسلحة أو متفجرات أو للتدريب. وغيابُ هذه الأدلة يعقّد عمل الأجهزة الأمنية والمحققين ويُضعِف القضايا أمام المحاكم".
من ناحية عملية، كشفت تحقيقات استقصائية أن فئات لا تزال تستخدم مبدأ الحوالة: إيداع الأموال لدى شخص في ألمانيا (غالباً تاجِر)، ثم يقوم شريك له أو قريب بدفع المبلغ للمتسلم في الخارج، ما يعني أن الأموال لا تُحوّل عبر أنظمة رسمية بل تُسوّى بينهما من دون آثار بنكية أو وثائق رسمية.
وفي مواجهة هذه العراقيل القانونية، يفيد أوسترمان بأن وزارة العدل أعدت تصوراً لتعديلاتٍ جوهرية،  أبرزها تجريم محاولة تمويل الإرهاب، وهو ما يُخفّف العبء عن السلطات ويسهّل استكمال التحقيقات والحكم في الدعاوى المقدمة ضد المشتبه بهم بسرعة أكبر.

رقابة على أموال دعم غزة
في ظل قرار ألمانيا، ومع الإعلان عن دعم لا يقل عن 200 مليون يورو للفلسطينيين مع وقف النار في غزة، برزت تساؤلات بشأن كيفية مراقبة المساعدات الطارئة وأشكال الدعم المالي والإنساني وإعادة الإعمار، ومخاوف من إساءة استخدام المساعدات المموَّلة من دافعي الضرائب الألمان أو وقوعها بيدين خاطئتين. ومن ثمّ، تُعد تشديد آليات الرقابة ضرورة لضمان توجيه الأموال إلى المحتاجين وليس إلى "حماس".
تثير كذلك مخاوف احتمال استغلال المساعدات اللوجستية -مثل أنابيب المياه- في أغراضٍ عسكرية، كصنع قواعد للصواريخ أو حفر أنفاق تحت مدارس ومستشفيات ممولة دولياً. ورداً على ذلك، رأت وزارة الخارجية أنه من دون توفير سلع ذات استخدام مزدوج لا يمكن أن تنجح عملية إعادة إعمار غزة، وأنه عند بدء العملية يجب أن تتولى هياكل وطنية أو دولية على الأرض مهمة ضمان الاستخدام السليم، وأن الجهود مركَّزة على تنفيذ الجزءَ المتعلق بخطة العشرين التي حملها اتفاق وقف النار. وخُلاصةُ التعليقات دعوة للحكومة الألمانية لعدم الانجرار إلى ما وصفه البعض بأنه "ديبلوماسية دفتر الشيكات المميت"، والتمييز بين "حسن النية" و"حسن التنفيذ".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

لبنان 10/25/2025 8:33:00 PM
وُلد حمدان في 19 كانون الثاني (يناير) عام 1944، في قرية عين عنوب، قضاء الشوف في لبنان.
لبنان 10/26/2025 5:22:00 PM
اعتداء إسرائيلي جديد في جنوب لبنان...
ايران 10/26/2025 6:06:00 PM
 المسؤول هو سردار عمار، القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني ورئيس "الفيلق 11 ألف" التابع لفيلق القدس بقيادة إسماعيل قاآني