الإرهاب إذ يقدّم بطلاً... أحمد الأحمد
"يريد الإرهابيون أناساً كثراً يتفرجون، لا أناساً كثراً يموتون".
لكلّ جيل نظريته عن جذور الإرهاب وأهدافه وطريقة مكافحته. حين تحدث المستشار الأمني الأميركي براين جنكينز عن اهتمام الإرهابيين، كان ذلك في ذروة الحرب الباردة (1975). من مفاعيل تلك النظرية خفضُ التوقع بلجوء إرهابي إلى سلاح الدمار الشامل ضد المدنيين، لأن ذلك سيرتد سلباً على قضيته.
بعد 20 عاماً، تغيّرت النظرية بفعل هجوم بالسارين شنّته جماعة "أوم شينريكيو" الدينية المتطرفة على محطة يابانية للقطارات. بات الإرهاب ذو التبريرات الدينية أخطر من الإرهاب الذي تحركه دوافع قومية. تأكد ذلك مع "القاعدة" و"داعش" و"الشباب" وغيرها، علماً أن غالبية ضحايا تلك التنظيمات هي من البيئات التي يُفترض أنها "تدافع" عنها.
إذاً، يريد الإرهابيون اليوم أناساً كثراً "يتفرجون ويموتون" في آن. والإرهابيان على شاطئ بوندي في أستراليا لم يشذّا عن هذه القاعدة. بالتوازي، كان التحذير من التغير المستمر لتحرك الإرهابيين واضحاً في تقرير المدير العام للأمن الأسترالي مايك بيرجس لعام 2025 والذي شدد على خطأ النظرة إلى الإرهاب المعاصر عبر عدسة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حين كانا في ذروة قوتهما. لقد أصبح وجه وشكل ودوافع الإرهاب أكثر تنوعاً وتعقيداً، وباتت الهجمات أصغر نطاقاً وأقل قابلية للتنبؤ، بحسب بورجس.
تحوّل صاحب متجر الفواكه #أحمد_الأحمد إلى "بطل بوندي" بعدما انتزع سلاح أحد المسلحين خلال هجوم على احتفال الحانوكا في شاطئ بوندي بـــ #سيدني، منقذًا عشرات الأرواح قبل أن يُصاب ويُنقل إلى المستشفى.
— Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) December 16, 2025
أحمد يتقدّم بحذر بين السيارات في شارع كامبل باريد، قبل أن يندفع نحو المسلّح وينتزع… pic.twitter.com/wMGJNWuPyA
بين القديم والجديد
من بين الجديد نسبياً في إرهاب بوندي، بروز "أناس كثر يتفرجون" على فعل رجل شجاع، أحمد الأحمد، وهو ينتزع بندقية أحد الإرهابيين، قبل أن يصاب هو بخمس رصاصات أدخلته المستشفى. نال الأحمد أوصافاً بطولية من رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب وغيرهما.

في مقدمة جديدة لكتاب "من يصبح إرهابياً ولماذا؟" (2018) يميّز الضابط السابق في البحرية الأميركية مالكولم نانس بين ذهنيّتين: يسأل الناس العاديون "لماذا" يرتكب الإرهابيون أعمالاً كهذه، بينما يسأل الإرهابي "كيف يمكنني أن أصبح واحداً من هؤلاء الإرهابيين".
سيضيف الأحمد سؤالاً آخر لدى الناس العاديين، وهم يشاهدون عملاً إرهابياً: "كيف يمكنني أن أكون أحمد آخر؟" أي "كيف يمكنني أن أتصدى للإرهابي، وأنال شهرة مماثلة لشهرة الأحمد؟" إذاً، عن غير قصد، قدّم الأحمد، من جملة ما قدّمه، حلاً موضعياً للإرهاب.
للتأكيد، لم يكن الأحمد أول شخص يحاول إيقاف إرهابي. منعَ ركّاب طائرة "الرحلة 93" عناصر "القاعدة" من توجيه الطائرة إلى مبنى الكابيتول في 11 أيلول/سبتمبر 2001 فسقطت في بنسلفانيا وخسر جميع ركابها حياتهم.
وفي 2015، حين ظهر إرهابي مسلح داخل قطار متوجه من أمستردام إلى باريس، تمكن ثلاثة أميركيين، من بينهم طيار في القوات الجوية وعنصر في الحرس الوطني، من إحباطه. أصيب الطيار بجروح بالغة، لكنه واصل مساعدة صديقيه. هذه المرة، كان حظ هؤلاء الأميركيين أفضل من أسلافهم قبل 14 عاماً. وأصيب فرنسي بجرح بالغ لدى تصديه أولاً للمسلح.
"عدوى"
يتجلى أحد الفوارق المهمة بين هذه المحطات الثلاث في أن شجاعة الأحمد بُثّت مباشرة على الهواء. بالتالي، وفي مفعول إيجابي نادر لها في هذه الأيام، سيكون لوسائل التواصل الاجتماعي دور مستقبلي في نقل "عدوى" الشجاعة. لن تنقل هذه الوسائل بالضرورة "الحظ" نفسه للشجاع المقبل، لكن الكلاسيكيين يرون أن الحظ أو القدر يفضّل أصحاب الجرأة.
من هنا، أصبحت إحدى الصيغ اللاتينية لهذه العبارة، Audentes Fortuna Iuvat، شعاراً لوحدات نخبوية في الجيش الأميركي... وشعاراً غير رسمي لمن واجهوا الإرهاب بأيدٍ عارية.
نبض