دعوة نتنياهو لزيارة ألمانيا رغم مذكرة الاعتقال... هل يمكن الالتفاف على قرارات الجنائية الدولية؟
كانت لافتة الدعوة الرسمية السريعة جداً التي وجهها المستشار المستقبلي لألمانيا زعيم الحزب المسيحي الديموقراطي فريدريش ميرتس لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة برلين، وذلك في الاتصال الذي أجراه معه لتهنئته بفوز الاتحاد المسيحي في الانتخابات البرلمانية العامة في ألمانيا. ولم يأخذ ميرتس في الاعتبار مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بحق نتنياهو، الذي يسعى لإيجاد سبل ووسائل للالتفاف عليها. فماذا عن إمكان تعطيل تنفيذ مذكرة التوقيف على الأراضي الألمانية؟
تجاهل ميرتس قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي صنف نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت مجرمي حرب، ولاقى اعتراضات في ألمانيا، لا سيما أن مرشح الاتحاد المسيحي المنتشي بالفوز، لم يتردد في اليوم التالي عن الاعلان صراحة أنه سيتم العمل على إيجاد السبل لضمان قدرته على زيارة ألمانيا والعودة من دون أن يتم القبض عليه، لا بل أكثر من ذلك اعتبر أن عدم تمكن نتنياهو من زيارة برلين فكرة سخيفة تماماً.
ولم ترحم أحزاب مثل الاشتراكي الديموقراطي واليسار ميرتس ووجهت له انتقادات لاذعة، فأكد الأول الأهمية المركزية للمحكمة الجنائية الدولية، فيما اتهمه حزب اليسار بازدواجية المعايير، وكل ذلك من منطلق أن تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية أمر يخص السلطة القضائية ولا يجب أن تدخل السياسة فيه.
وقالت الباحثة في العلاقات الدولية إلينا فسترمان لـ"النهار"، إنه "لا يمكن تصور عدم تنفيذ المذكرة بحق نتنياهو لأن المحكمة الجنائية اتهمته بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، ناهيك بإشارتها إلى أن التجويع كان أسلوباً من أساليب الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أي القتل والاضطهاد والتنكيل وكل ما يمت إلى الأعمال اللاإنسانية بصلة"، مؤكدة أن "هذا كله يتوافق مع القوانين المعمول بها في ألمانيا، وبرلين اعترفت بالجنائية الدولية منذ زمن وكانت واحدة من 125 دولة موقعة على ميثاق المحكمة منذ تأسيسها عام 2002. واستنادا إلى ما سبق، يتعين على ألمانيا الالتزام والاعتراف بالقرارات الصادرة عن الجنائية وتنفيذها وسيكون مكتب الادعاء العام المسؤول عن ذلك مذنباً بعرقلة العدالة إذا لم ينفذ مذكرة التوقيف".
وخلصت إلى أن الحصانة الشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي لا تحول دون اعتقاله رغم كل الأوصاف والنعوت التي تطلقها الحكومة في إسرائيل ضد المحكمة الجنائية بعد تصنيفها نتنياهو مجرم حرب.
إمكان التحايل على الجنائية
وبرزت تساؤلات عما إذا كانت هناك وسائل للتحايل على تطبيق القانون واستقبال نتنياهو دون اعتقاله. وكتب الخبير في القانون الجنائي والدولي الأستاذ في جامعة غوتنغن كاي أمبوس في مدونة " فرفاسونغبلوك"، ما مؤاده أن مذكرة التوقيف الدولية يجب أن تنفذ ولا أحد له الحق بتعطيلها أو العمل لإيجاد وسائل لذلك، ليوضح، أن على مكتب الادعاء العام المختص في برلين أو مكان الاعتقال أن يبادر إلى القبض عليه وتنظيم إجراءات سوقه إلى لاهاي، وفي حال لم يتم اعتقال نتنياهو أثناء الزيارة فستكون ألمانيا انتهكت بذلك القانون الدولي والوطني.
و اعتبر محللون أن التخاذل في تطبيق المذكرة لا يؤدي فقط إلى إضعاف المحكمة الدولية ومصداقيتها، بل ستكون له تبعات أيضاً داخل البلاد لأن مثل هذه الخطوة تعني السلطة التنفيذية، أي المستشار الألماني الجديد أو وزير العدل، وعندها ستتداخل العملية القانونية البحتة في دولة دستورية تقوم على فصل السلطات. وفي نهاية المطاف لا يمكن تفسير الأمر إلا بفعل سيطرة سياسية على أعمال النيابات العامة والمحاكم، والأخيرة ليست وكيلاً في خدمة السياسة والسياسيين ويجب أن يكون لها كل الدعم.
وفي حين لم يحدد الاتحاد المسيحي بعد الكيفية التي ينوي بها توفير الوضعية لنتنياهو للسفر إلى ألمانيا من دون عوائق، برزت قراءات وفيها أن الفشل في اعتقال نتنياهو قد يدفع مستقبلاً بالبعض إلى عدم أخذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحاكم الألمانية على محمل الجد، وبدلاً من ذلك سيتم التمرد عليها كما يحصل في عدد من البلدان ومن بينها الولايات المتحدة.
وأوضحت المتحدثة باسم وزارة العدل في وقت سابق من هذا الأسبوع أن المستشار لا يستطيع إصدار تعليمات لإدارات العدل في الولايات.
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك والمنتمية إلى حزب الخضر أكدت أخيراً أن لا أحد فوق القانون، وبرلين من أكبر المؤيدين للقانون الجنائي الدولي والمحكمة الجنائية الدولية. مع العلم أن بيربوك وعندما وجهت جنوب أفريقيا دعوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المشاركة في قمة دول بريكس صيف عام 2023، طالبت بتنفيذ مذكرة الاعتقال الصادرة بحق زعيم الكرملين ومن منطلق أن القانون الدولي واضح جداً في هذا الإطار.
نبض