النهار

مؤلف كتاب Westlessness لـ"النهار": ليست نهاية الغرب ولكن لندن وواشنطن وباريس لن تكون وحدها مراكز العالم
العالم يمر سريعاً بعصر ذروة النفوذ الغربي العالمي
مؤلف كتاب  Westlessness  لـ"النهار": ليست نهاية الغرب ولكن لندن وواشنطن وباريس لن تكون  وحدها مراكز العالم
الكاتب سمير بوري وغلاف كتابه.
A+   A-


يرى سمير بوري، مؤلف كتاب "أقل تغرّباً: إعادة التوازن العالمي الكبير"Westlessness: The Great Global Rebalancing” ، أن العالم يمر سريعاً بعصر ذروة النفوذ الغربي العالمي. ويرفض تعبير "انهيار الغرب"، ويتحدث عن الانتقال من عصر النفوذ الغربي العالمي الجامح إلى عصر النفوذ الغربي المتنازع عليه، في ظل مراكز قوى جديدة آخذة في الظهور، وجيل جديد في الجنوب العالمي يتطلع إلى ما وراء واشنطن والمستعمرين السابقين.
وتجسد صورة زعماء مجموعة "بريكس بلس" اليوم في قازان بروسيا نموذجاً لعالم يرسم معالمه بوري، وهو أيضاً زميل مشارك في "تشاتام هاوس" ومحاضر زائر في دراسات الحرب في كينغز كوليدج بلندن.
وفي حديثه لـ"النهار"، يقول بوري إن قوة الغرب كمغناطيس يجذب الآخرين إلى سحره، وكذلك قدرة قادة الفكر والسياسيين الغربيين على تقديم نسختهم على أنها المعيار الطموح الذي يجب أن يستقر عليه العالم، قد بلغتا ذروتهما. ويرى أن هناك رؤية واضحة في الخليج لهذا المستقبل تقريباً، كنوع من المزج والتوافق، وأن الإمارات مثال جيد على ذلك.

نجد صعوبة في إيجاد مصطلح أو مرادف عربي لعنوان كتابك "Westlessness"، كيف تشرح لنا هذا المصطلح؟
إنه مصطلح مركّب، استخدمه للمرة الأولى مؤتمر ميونيخ للأمن. الجزء الحاسم هو المقطع الأوسط "أقل" (Less). لذلك،  لا أتحدث عن انهيار الغرب أو نهايته، أو أي شيء من هذا القبيل. الجدلية في الكتاب هي أننا عشنا على مدى قرنين أو قرنين ونصف في عالم كان فيه للنسخ المختلفة من الغرب تأثير كبير على بقية العالم، بما في ذلك الاستعمار والاستقلال، لكن أيضاً عصر العولمة الذي قادته أميركا والذي يعتبر العنصر المحدد إلى حد كبير لكل من هو على قيد الحياة اليوم. لا أحد يستطيع أن يتذكر وقتاً لم يكن فيه الغرب هو المهيمن الأكبر في العالم.
هذا المستوى الاستثنائي من النفوذ لن يحافظ على نفسه. فالسنوات الخمسون أو الثمانون المقبلة ستكون مختلفة جداً، إذ سيبقى الغرب ركيزة مؤثرة بشكل غير عادي في الشؤون العالمية، بما فيها التمويل الدولي والثقافة واللغة، لكن ليس الوحيد.
والسؤال الذي يطرحه الكتاب هو عن التغيرات التي ستحدث عندما يصبح العالم أقل تمحوراً حول الغرب. والخطر هو أننا في خلال هذه الفترة الانتقالية، نواجه المزيد من المخاطر، والمزيد من عدم اليقين. وأعتقد أن إحدى المسؤوليات الكبيرة التي تقع على عاتقنا جميعاً هي فهم عملية إعادة التوازن هذه، قبل أن نتمكن فعلياً من البدء في تخفيف الأسوأ والحصول على الأفضل منها أيضاً.

تقول إن الغرب لن يذهب إلى أي مكان، وإنما هناك مراكز قوى جديدة آخذة في الظهور وجيل جديد في الجنوب العالمي يتطلع إلى ما وراء واشنطن والمستعمرين السابقين، وتأثير الغرب في العالم باق، لكن بطريقة مختلفة تماماً عن الماضي القريب. فهل نحن مقبلون على حرب باردة جديدة؟ 
أعتقد أنه مغر أن نردد ما يقال من أن واشنطن تقود مجموعة السبع، وحلف الناتو، والديموقراطيات... في المقابل، تقود الصين مجموعة بريكس، وبالتالي هناك حرب باردة وعلينا أن نختار. لكن الفارق كبير بين الحرب الباردة كما بدأت في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته، وما يحصل حالياً. كانت الدول المستقلة حديثاً تختار بين الاتحاد السوفياتي أو الولايات المتحدة، وقد تختار هذه المرة بين الولايات المتحدة أو الصين، لكن أيضاً ثمة استقلالية لتكون دولة ما قادرة على الانضمام إلى آخرين من الجنوب العالمي، أو بات بإمكان دولة أكبر مثل الهند، أن تحدد طريقها الخاص وتقول ’أنا لا أختار أياً من الجانبين، بل  سأكون صديقة لكليهما‘.
لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في التسعينات أو في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت لندن وبروكسل وواشنطن وباريس مراكز العالم والضفة الطموحة للحداثة. باتت كل عاصمة من هذه العواصم إحدى نماذج الحداثة والطموح، من بين نماذج عدة. 

كيف سينعكس هذا الاتجاه العالمي الجديد الذي تسمونه westlessness على الصراعات العالمية، وعلى الشرق الأوسط الذي يشهد صراعاً مستمراً؟ 
الصراعات قديمة في المنطقة، لكن اللافت هو أن تتوسط بكين في مفاوضات بين "فتح" و"حماس". هذه فكرة كان يصعب تخيلها قبل 10 سنوات أو 15 سنة. إن الاتفاق بين إيران والسعودية على استعادة العلاقات الديبلوماسية قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) فتح ربما بعض قنوات الاتصال عندما اجتاحت الحرب الشرق الأوسط. لا أعتقد أن الصين وسيط حاسم للسلام، لكن من اللافت أن وزير الخارجية الأوكراني (السابق) سافر للتحدث إلى الصينيين أيضاً. هناك إدراك متأخر بأنه من أجل تحقيق السلام، بات دور الصين، وربما الهند، جزءاً من المعادلة، وإن لم يكونا حاسمين. 

ذكرتم أن مستقبل الشرق الأوسط، والعالم أيضاً، لن يتقرر بعد الآن في جنيف أو في نيويورك. أين ترى الشرق الأوسط والعالم العربي في هذا التحول الجديد والكبير في النظام العالمي؟ 
هناك فهم في المنطقة بأن الغرب كان القائد في القرن الماضي، لذا عليك أن تتغرّب إلى حد ما، سواء أكان ذلك في مجال التكنولوجيا، أم بالاستعانة بالمستشارين الأجانب الذين يعيشون في الخليج. لكن الضغوط الرامية إلى التغريب ستنخفض على الأرجح إلى أدنى مستوى، لأن تلك  في المجتمعات والنماذج الاقتصادية والنماذج السياسية بلغت ذروتها في مرحلة ما بين نهاية عصر الإمبراطورية الاستعمارية ونهاية الحرب الباردة. قوة الغرب كمغناطيس يجذب الآخرين إلى سحره، وكذلك قدرة قادة الفكر والسياسيين الغربيين على تقديم نسختهم على أنها المعيار الطموح الذي يجب أن يستقر عليه العالم، قد بلغتا ذروتهما.
هناك فرق كبير بين أن تكون معادياً للغرب وأن تكون غير غربي. أعتقد أن هناك خطراً، بالطبع، من أن تستمر إيران في مسار كهذا بسبب نظامها الديني، بحيث تستهويهم فكرة أن الغرب هو تأثير مفسد، ويجب تنحية كل شيء غربي جانباً.
لكنني أعتقد أن معظم العقلاء في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى في أفريقيا وآسيا، ليسوا غربيين فحسب، وليسوا معادين للغرب. لذلك سيكونون سعداء بموازنة جوانب التغريب التي تراكمت في مجتمعاتهم مع تقاليد أخرى، مؤثرات أخرى، قد يكونون في الواقع أكثر قدرة على التعبير عنها واستكشافها ودمجها بطرق هجينة مختلفة. 

هل ترى بعض هذه المظاهر (التفلت من الغرب) في التوجهات الجديدة المرتبطة بدول الخليج، منذ أن صوتت ضد بعض القرارات الأميركية في مجلس الأمن الدولي، وكذلك في الحرب على غزة؟ 
نعم، على المستوى اليومي، كانت المملكة العربية السعودية متحمسة جداً لمتابعة اتفاق أمني مع أميركا، لذلك وازنت بين محاولة استمالة واشنطن للحصول على الصفقة الأمنية بعد سنوات من العلاقة الدفاعية القوية، وبين الانضمام إلى مجموعة بريكس، التي لم تثر السعودية ضجة كبيرة حولها. وأي شخص سافر إلى الخليج يعرف على الفور مدى تغلغل التكنولوجيا الصينية على المستوى الاستهلاكي، وفي ما يتعلق بالبنية التحتية وأشياء أخرى أيضاً. لذا، أعتقد أن هناك نقطة مثيرة للاهتمام مع دول الخليج، وهي وجود رؤية لهذا المستقبل تقريباً كنوع من المزج والتوافق. 
وأعتقد أن الإمارات مثال جيد على ذلك، وأتكلم هنا عن عدم وجود رغبة في معاقبة روسيا بسبب الغزو الأوكراني. لم ينظر إلى انضمام دول إلى مجموعة الدول السبع في الاتحاد الأوروبي لمعاقبة روسيا بسبب غزوها الفظيع لأوكرانيا على أنه قضية مهمة بما فيه الكفاية لبعض دول الخليج، كي تنضم إلى ذلك. لذلك، إذا كنت روسياً، ربما لا يزال بإمكانك القيام بأعمال تجارية على المستوى الشخصي أو على مستوى الشركات في الخليج. في أي حال، أعتقد أن هذا النوع من طريقة فهم بنية العالم واضح تماماً في الخليج. 

الأكثر قراءة

لبنان 12/4/2024 10:55:00 AM
قررت محكمة فرنسية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وضع نهاية في 6 كانون الاول (ديسمبر) الجاري لأكثر من 40 عاما أمضاها لبناني اسمه جورج ابراهيم عبدالله في سجن بمنطقة جبال "البيرينيه" الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، هو "لانيميزان" البعيد 120 كيلومترا عن مدينة تولوز، والسماح له بمغادرة الأراضي الفرنسية يوم الجمعة المقبل، وقد أصبح عمره 73 عاما.

اقرأ في النهار Premium