حتى اليوم، ما زال اسم أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، يثير جدلاً واسعاً في عالم الاستخبارات. فقد عُرف في جهاز "الموساد" بلقب "الملاك، ووُصف لسنوات بأنّه "أفضل جاسوس إسرائيلي على الإطلاق"، ذاك الذي حذّر من حرب يوم الغفران عام 1973، وأغرق إسرائيل بجبال من الوثائق السرية من قلب النظام المصري.
لكن تحقيقاً موسعاً نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" يكشف وجهاً آخر: "مروان لم يكن الملاك الذي أنقذ إسرائيل، بل رأس الحربة في خطة الخداع المصرية التي ساهمت في أحد أكبر الإخفاقات الاستخباراتية بتاريخ إسرائيل".
أشرف مروان (يسار) والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (اكس)
من عميل "لا يُقدّر بثمن" إلى أداة تضليل وقالت الصحيفة: "في الموساد، بدا مروان كهدية من السماء: شاب في التاسعة والعشرين من عمره، أنيق ومقرّب من الرئيس أنور السادات، يزوّد إسرائيل بمعلومات دقيقة تُصادقها مصادر أخرى. حتى رئيسة الوزراء غولدا مئير كانت تسأل في الاجتماعات المغلقة: "وماذا يقول صديق تسفيكا؟" (في إشارة إلى رئيس الموساد تسفي زامير)".
وفاة تسفي زامير رئيس الموساد خلال حرب 1973 بين العرب وإسرائيل
وأضافت: "ذروة مصداقيته جاءت في صيف 1973 حين كشف خطة ليبية – فلسطينية لإسقاط طائرة ركاب إسرائيلية فوق روما، وهو نفسه مَن أوكل إليه السادات مهمة تسليم صواريخ "ستريلا" إلى المنفذين. بفضل هذه المعلومة، أُحبط الهجوم، واعتُبر "الملاك" المنقذ".
لكن ما لم يعرفه الإسرائيليون حينها، أنّ "مروان كان يلعب لعبة مزدوجة، في قلب خطة مصرية محكمة لخداع العدو".
تحقيق إسرائيلي يكشف خدعة أشرف مروان (يديعوت أحرونوت)
الكذبة التي غيّرت مجرى التاريخ في أيلول/سبتمبر 1973، وبعد اجتماع حاسم بين السادات والرئيس السوري حافظ الأسد، أبلغ مروان مشغليه بأن الحرب لن تندلع قبل نهاية العام، وأن الاستعدادات المصرية – السورية ما زالت غير مكتملة. بل ذهب أبعد من ذلك، قائلاً إنّ السادات "لا ينوي القتال قريباً"، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
أشرف مروان (مواقع)
وأِوضح التحقيق أنّه "في إسرائيل، التي كانت متوترة ومتهيئة، شعروا بالارتياح: هناك "نصف عام على الأقل" قبل أي حرب محتملة. لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا: ففي ذلك الاجتماع بالذات، اتفق السادات والأسد على موعد الحرب – السادس من تشرين الأول 1973، يوم الغفران".
ورأى أنّ "خداع الملاك ساهم في شلل القرار الإسرائيلي، وكان أحد الأسباب المباشرة لمفاجأة حرب أكتوبر، التي كلّفت الجيش الإسرائيلي نحو 2,400 قتيل وغيّرت وجه المنطقة".
أشرف مروان (مواقع)
أسطورة باقية رغم كل الشكوك رغم كل ما كُشف لاحقاً، ظل "الملاك" أسطورة في نظر كثيرين في الموساد. رئيس الجهاز الحالي دافيد برنيع وصفه مؤخراً بأنًه "عميل استراتيجي"، رافضاً بشدة الادعاءات حول كونه عميلاً مزدوجاً. لكن تحقيق "يديعوت" يضع النقاط على الحروف: "ربما لم يكن الملاك سوى ملاك الكذب والخداع، الذي نجح أكثر مما تخيل المصريون أنفسهم".