هل يردّ نتنياهو على قرار "حل الدولتين" بـ"فرض السيادة" على الضفة؟

عكس إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة قراراً يدعم "إعلان نيويورك"، الذي يحدّد خطوات ملموسة، و"لا رجعة فيها"، نحو حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة، التوتر متصاعد بين المساعي الدولية والسياسات الإسرائيلية.
الرد الإسرائيلي على هذا القرار أتى بمزيج من الرفض الصريح والتصريحات التي تلمح إلى تصعيد على الأرض، عبر توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بجدية" إلى خيار ضم أجزاء من الضفة الغربية، ولا سيما بعد إقرّار الكنيست أخيراً مشروع قانون يدعم "فرض السيادة" على المنطقة.
أما موقف الولايات المتحدة فيبدو أكثر تعقيداً. فبينما صوّتت واشنطن ضد القرار الأممي، وهي خطوة تتناقض مع تصريحاتها بدعم "حل الدولتين"، تشير بعض التقارير إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد تغضّ الطرف عن خطط الضمّ الإسرائيلية كردّ فعل على الاعترافات الدولية بدولة فلسطين.
الاستراتيجية الإسرائيلية لفرض السيادة
تستخدم إسرائيل حالياً مصطلحات ديبلوماسية غامضة لإخفاء استراتيجيتها الفعلية الرامية إلى إنهاء حلّ الدولتين على أرض الواقع. ويتجسّد هذا النهج في التغيرات الجغرافية والديموغرافية التي تحدث في المناطق المصنفة "ج"، التي تشكّل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، ولا سيما في القدس الشرقية، بحسب الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب.
يلفت أبو عرقوب إلى أن هذه التغييرات، التي تُعَدّ حجر الزاوية في المخطط الاستيطاني الإسرائيلي، تعمل على تفكيك أيّ إمكانية لقيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. ويبرز مخطط "إي 1" الاستيطاني كأحد أخطر المشاريع الإسرائيلية، إذ يهدف إلى قطع التواصل بين شمالي الضفة الغربية وجنوبها، ما يهدد بشكل مباشر حلم إقامة دولة فلسطينية متصلة.
تتعمد إسرائيل تقديم تفسير مغاير لمفهوم الضم، إذ تسعى لضم الأرض من دون سكانها. هذا التفسير يتناقض بشكل صارخ مع التعريف الدولي للضم، الذي ينصّ على شموله الأراضي والسكان معاً وتطبيق القوانين والواجبات عليهم. وهو ما يعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
أما مصطلح "فرض السيادة"، فهو مصطلح ديبلوماسي صُمِّمَ بعناية لتجنب إعلان الضم الصريح، لكنه عملياً يمهد الطريق لضم جزئي أو كامل. يسمح هذا المفهوم لإسرائيل بالسيطرة التدريجية على الأراضي وتطبيق قوانينها، ما يمنحها مرونة سياسية داخلية ودولية.
وشهدت الضفة الغربية، منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، تحوّلاً جذرياً في آليات السيطرة على الأرض. فبدلاً من الإدارة المدنية التقليدية التي كان يمارسها الجيش الإسرائيلي، بدأت وزارات إسرائيلية، مثل الاتصالات والنقل والبيئة، تمارس صلاحيات مباشرة على الأراضي المحتلة. وتتمثل هذه الصلاحيات بشق الطرق، وإقامة أبراج الاتصالات، ومصادرة الأراضي، والسيطرة على المواقع الأثرية، واستغلال الموارد الطبيعية.
تداعيات الضم على السلطة الفلسطينية
تتسم السيطرة الفعلية على الضفة الغربية بغياب أيّ معارضة سياسية جادة في إسرائيل والغرب. ويحمل عشرات آلاف المستوطنين جنسيات أوروبية، فما يقرب من 60 ألف مستوطن يحملون الجنسية الأميركية، ونحو 50 ألفاً يحملون الجنسية الألمانية، إضافة إلى الفرنسية والبريطانية.
ويوضح الخبير الفلسطيني أن خطة الضم تنفذ من خلال ما يُعرف بـ"خطة الحسم"، التي وضعها حزب "الصهيونية الدينية"، وأصبحت البرنامج السياسي لحكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو. هذه الخطة لا تهدف فقط إلى الاستيلاء على الأراضي وحصر الفلسطينيين في المناطق المصنفة "أ"، بل تسعى أيضاً إلى التعامل معهم كـ"سكان فقط" وليس كـ"مواطنين".
وتهدف "خطة الحسم" إلى تحطيم الدورة الاقتصادية الفلسطينية عبر مبدأ الحصار. يتم ذلك من خلال خصم عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية، ما يعيق قدرتها على دفع رواتب موظفيها، ومنع العمال الفلسطينيين من العمل داخل إسرائيل، ما يؤدي إلى تدمير اقتصادي للشريحتين الأوسع في الضفة الغربية.
نتنياهو متردّد؟
يرى الكاتب والباحث في مركز "تقدم للسياسات" أمير مخول، في حديث مع "النهار"، أن هناك قوى داخل إسرائيل، سواء في الحكومة أو المعارضة، تدعو إلى ضمّ أجزاء من الضفة الغربية أو إعلان السيادة عليها. وتستند هذه القوى إلى سوابق إسرائيل في ضمّ الأراضي، مثل القدس والجولان، لترسيخ فكرة أن أي ضمّ يصبح أمراً واقعاً بمرور الوقت.
في المقابل، يرى مخول أن نتنياهو "متردد في الإقدام على هذه الخطوة"، رغم استخدامه التهديد بالضمّ لمنع قيام دولة فلسطينية، لأنه يدرك خطورة الضمّ الكامل للضفة الغربية الذي سيخلق "خطراً استراتيجياً وديموغرافياً" على إسرائيل، خاصة مع وجود ثلاثة ملايين فلسطيني هناك لا يمكن تهجيرهم.
ويشير مخول إلى أن الضمّ "قد يهدد أيضاً بشكل جدي الاتفاقات الإبراهيمية"، التي تعدّ إنجازاً مهمًا لإدارة ترامب. وهذا التباين في المصالح بين نتنياهو وترامب يجعل من مخاطرة رئيس الحكومة الإسرائيلية بالضمّ أمراً مستبعداً، خصوصاً أن هذه الاتفاقات تعتبر من أبرز إنجازات ترامب الإقليمية.
ويوضح الباحث الفلسطيني أن الحديث عن حل الدولتين والتحركات الدولية يمثّل "تسونامي" على إسرائيل، التي فقدت قدرتها على التحكم بالسردية الدولية. فالمزاعم الإسرائيلية بأن هذه التحركات تخدم "معاداة السامية" أو "الإرهاب" لم تعد تلقى قبولاً، و"تزيد من حرج الولايات المتحدة وتدفعها إلى مزيد من العزلة".
يستبعد مخول الضمّ الفعلي تماماً، رغم "حالة الجنون" الظاهرة لدى نتنياهو، فهو يستخدم هذه الورقة كوسيلة لردع الدول عن أيّ خطوات، ولا سيما بعد الاعتداءات التي تتطلب تحركاً عربياً فاعلاً.