تقرير يوثّق انتهاكات فظيعة في السجون الإسرائيلية... وشهادات مروعة
تتوالى التقارير والتحقيقات وحتى الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي تظهر تعرّض المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لاعتداءات عنيفة جداً، وتعذيب وإهمال طبي.
وفي هذا السياق، كشف تحقيق أجرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية عن عمليات تعذيب خطيرة يتعرّض لها فلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية، حيث يحتجزون "تعسفياً من دون تهم"، ويختبرون معاملة "وحشية".
ووفق التحقيق الذي أعدّه كبير المراسلين الدوليين بيل ترو وراتب القيسي، فإن الفلسطينيين يتعرضون لمعاملة "وحشية في السجون و المعتقلات الإسرائيلية"، ويواجهون الاغتصاب والتعذيب والإهمال الطبي.
وفي إحدى الحالات التي يتعرضها التحقيق، وجد فلسطيني نفسه محاصراً بخمسة جنود، مقيد اليدين على أرضية زنزانة في قاعدة عسكرية جنوب إسرائيل، وقد ركل جنود الاحتياط الخمسة، المسلحين بكلابهم، الرجل ولكموه وداسوا عليه وهو ملقى على الأرض، واستمروا في اعتدائهم عليه، فهاجموه بمسدسات الصعق الكهربائي وأدوات حادة، واعتدوا عليه جنسياً بهذه الأدوات.
وفي إحدى المرات، طعنه الجنود بشدة لدرجة أنهم اخترقوا أردافه وشرجه، وأدى الاعتداء الوحشي المزعوم إلى دخول الرجل إلى المستشفى مصاباً بثقب في الرئة وكسور في الأضلاع وتمزق في المستقيم، مما استدعى إجراء جراحة لفتحة الشرج.
ومع كل هذا التعذيب، لم تُوجه إلى الفلسطيني أي تهمة، وفق التقرير.
اللافت في هذه الرواية "المروعة" أنها ليست صادرة عن السجين، بل مذكورة في لائحة اتهام الجيش الإسرائيلي نفسه ضد جنوده، والتي اطلعت عليها صحيفة "الإندبندنت".
ووفقاً للائحة الاتهام الموجهة للجنود الخمسة، وُجّهت إليهم جميعاً تهم التسبب بإصابات بالغة وإساءة معاملة في ظروف مُشدّدة.
وفي بيان، أقرّ الجيش الإسرائيلي أن التحقيق جارٍ في هذه الحادثة وغيرها من حوادث الإساءة المزعومة، وقال: "لا تزال التحقيقات الإضافية جارية في مزاعم إساءة معاملة المعتقلين".
وأضاف: "إن أي إساءة معاملة للمعتقلين، سواء أثناء الاحتجاز أو الاستجواب، محظورة تماماً وتشكل انتهاكاً للقانون الإسرائيلي والدولي وأنظمة الجيش الإسرائيلي".
وتُعدّ هذه الرواية واحدة من قصص متعددة عن تعذيب المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل.
في وقت سابق من هذا الشهر، اتهمت الأمم المتحدة القوات الإسرائيلية باستخدام العنف الجنسي "أسلوب حرب"، وزعمت أن "العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب والعنف على الأعضاء التناسلية، ارتُكب إما بأوامر صريحة وإما بتشجيع ضمني من القيادة المدنية والعسكرية العليا في إسرائيل".
رفضت إسرائيل التعاون مع الأمم المتحدة واتهمت مُعدّي التقرير بالتحيز.
لوائح الاتهام وعمليات التشريح وشهادات
تُشير التقديرات إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين قد تضاعف إلى قرابة 10 آلاف. ويُحتجز كثيرون بشكل معزول عن العالم الخارجي من دون تهمة، وبعضهم أُفرج عنهم، وأُعيد اعتقالهم أحياناً.
وفي هذا السياق، جمعت صحيفة "الإندبندنت" لوائح الاتهام، وتقارير التشريح، وشهادات لقَسَم من المعتقلين.
يصف المعتقلون الوحشية ويدّعون تعرضهم لأشكال من التعذيب، بما في ذلك الاعتداء العنيف، والحرمان من النوم، والعنف الجنسي، وعدم الحصول على الرعاية الطبية.
ووجد تقرير تشريح جثة رجل، توفي أثناء الاحتجاز، استخداماً مفرطاً للقيود، وأدلة على اعتداء عنيف، مما أدى في النهاية إلى نزيف في الدماغ.
استخدام مفرط للقوة وكسور في الأضلاع ونزيف في الدماغ
واطلعت صحيفة "الاندبندنت" على تقارير متعددة حول تشريح جثث أعدها مسعفون إسرائيليون لعائلات فلسطينيين لقوا حتفهم أثناء الاعتقال.
بموجب القانون الإسرائيلي، يحق لعائلات المعتقلين الذين قتلوا أثناء الاعتقال طلب حضور طبيب مستقل والتحقق من نتائج التشريح.
نُقل بعض الجثث الفلسطينية إلى معهد أبو كبير للطب الشرعي في تل أبيب للتشريح.
وقد "شوهدت كدمات على الجانب الأيسر من الصدر، مع كسور في الأضلاع وعظام الصدر أسفلها"، وفق تقرير عن فلسطيني محتجز في سجن مجدو، شمال إسرائيل، توفي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كما "شوهدت كدمات خارجية أيضاً على الظهر والأرداف والذراع والفخذ الأيسر، والجانب الأيمن من الرأس والرقبة".
في حالة أخرى، وُجدت على رجل يبلغ من العمر 45 عاماً، توفي في ديسمبر/كانون الأول 2024 أثناء احتجازه في سجن كيشون شمال إسرائيل، "علامات متعددة على اعتداء جسدي واستخدام مفرط للقيود، مما يُحتمل أن يُسبب نزيفاً داخل الجمجمة".
ووجد التقرير أن ساقه اليمنى كانت متورمة، وأن معصميه وكاحليه بدت عليهما علامات قيود مشدودة.
وقال طبيب إسرائيلي أشرف على تشريح جثث معتقلين عديدة نيابةً عن عائلاتهم: "إن رؤية بعض علامات الإساءة تعني أن هذا ربما يكون غيضاً من فيض".
ورفض الطبيب الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لكنه وصف حضوره تشريح جثة رجل في الثلاثينات من عمره توفي أثناء احتجازه في الضفة الغربية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال الطبيب إن الرجل "كان يعاني من كسور في الأضلاع وتمزق في الطحال، ما يُشير إلى صدمة ناتجة من استخدام قوة مفرطة".
في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، أشرف الطبيب نفسه على تشريح جثة شاب آخر، من طولكرم بالضفة الغربية، توفي بعد ستة أيام من الاستجواب. وظهرت على جثته علامات عنف وإصابات متعددة، وفقاً للتقرير.
المعاملة على أيدي السجانين الإسرائيليين
ويتركز معظم الانتهاكات المزعومة في مركزي احتجاز، وهما منشأة عسكرية جديدة داخل سجن عوفر الحالي في الضفة الغربية المحتلة، وقاعدة سدي تيمان العسكرية في جنوب إسرائيل.
يدلي حارس إسرائيلي في سدي تيمان بشهادة مجهولة المصدر سُرّبت إلى صحيفة "الاندبندنت"، حول الضغوط المزعومة لممارسة العنف حيال الفلسطينيين.
ويقول الحارس إنه عندما عبّر عن استيائه من ضرب سجين فلسطيني أثناء التحقيق، قال له جندي زميل: "اصمت أيها اليساري، هؤلاء غزّاويون، هؤلاء إرهابيون، ما خطبك؟".
ويضيف: "كبّلنا أيديهم بالسياج فوق رؤوسهم حتى لا يتمكنوا من فكّها".
في سدي تيمان، يصف معتقلون فلسطينيون جنوداً إسرائيليين وهم يعزفون موسيقى راقصة صاخبة في غرفة احتجاز خاصة تُسمى "الديسكو".
يقول محمد ر، 38 عاماً، الذي اعتُقل عند نقطة تفتيش شمال غزة أثناء فرار عائلته جنوباً في أكتوبر/تشرين الأول، ونُقل إلى سدي تيمان قبل أن يقضي 40 يوماً في عوفر: "موسيقى الترانس تهدف إلى إضعافك نفسياً قبل التحقيق".
يزعم أحمد أ، 59 عاماً، وهو مهندس اعتُقل في خان يونس في فبراير/شباط، ونُقل إلى سدي تيمان وأُفرج عنه بعد شهر، أنه تُرك في غرفة تُسمع فيها الموسيقى الصاخبة لمدة ليلتين ونصف ليلة.
يقول: "كان عليك الاستلقاء على الأرض. لم يكن يُسمح لك بالوقوف أو الذهاب إلى الحمام، وكان بعض الأشخاص يتبولون على أنفسهم".
يقول مصطفى ح، 41 عاماً، الذي احتُجز في سدي تيمان بعد اعتقاله عند نقطة تفتيش في أكتوبر/تشرين الأول أثناء فراره جنوباً: "كلما تحركت خطوة، كانوا يضربونك ويسبونك ويهينونك ويستخدمون الكلاب والغاز المسيل للدموع والصعق الكهربائي".
وبعد إطلاقه، يشير إلى أن "بعض الأشخاص فقدوا سمعهم بسبب خروج الدم من آذانهم نتيجة الصدمات الكهربائية".
ونفت مصلحة السجون الإسرائيلية والجيش جميع الاتهامات، وأكدت المتحدثة
باسم مصلحة السجون أنها "لم تكن على علم بالادعاءات المذكورة"، وأن مصلحة السجون "تعمل وفقاً لأحكام القانون".
الرعاية الطبية
إحدى جوانب الانتهاكات المزعومة تتعلّق بمخاوف بشأن منع الرعاية الطبية عن المعتقلين.
يُظهر تقرير تشريح عائلة محمد الصبار، الذي توفي في سجن عوفر في فبراير/شباط من العام الماضي، أن أمعاءه كادت أن تنفجر.
كان الشاب البالغ من العمر 20 عاماً مصاباً بمرض هيرشسبرونغ، وهو خلل في وظيفة الأمعاء الغليظة بسبب خلل في وظائف الأعصاب. ويتطلب هذا المرض نظاماً غذائياً محدداً للغاية، وحقناً شرجية، وأدوية.
ووفقاً للتقرير، حُرم السجين من ذلك، وفي النهاية، تضخمت أمعاؤه لدرجة أنها ضغطت على أعضاء المعدة الأخرى، مما أدى إلى إتلاف وظائف الكلى والرئتين وتوقف تدفق الدم.
وخلص التقرير إلى أنه كان من الممكن "تجنب وفاته لو أُوليَت حاجاته الطبية اهتماماً خاصاً، ولو قُدِّمت إليه مساعدة طبية عاجلة عند ظهور الأعراض المبكرة".
في المحصلة، فإن التقارير التي تتحدّث عن انتهاكات عنيفة يمارسها جنود إسرائيليون بحق معتقلين فلسطينيين كثيرة، وعلى ما يبدو، فإن العدالة الدولية غير قادرة على ردع السلطات الإسرائيلية من ممارساتها في المعتقلات.
نبض