هل "تنقلب" تركيا على إيران؟

جاءت الردود عاصفة.
"على ما يبدو، تبوأت تركيا الريادة في آلية الزناد... لقد سَبقَت الغربيين. إنه أمر لا يُصدق. 18 شركة؟ بقرار من (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان؟... ما هو رأي وزارة الشؤون الخارجية؟".
مثّل تعليق رئيس التحرير السابق لصحيفة "جافان" الإيرانية عبد الله غانجي عينة من التصريحات الداخلية الغاضبة من إعلان تركيا، في 1 تشرين الأول/أكتوبر، التزامها بالعقوبات الأممية بعد تفعيل "آلية الزناد".
وسبق أن أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 أيلول/سبتمبر أن على طهران منح الأولوية لـ "توسيع التجارة مع الدول المجاورة" رداً على الإجراءات الأخيرة.
خيبة أمل
يفسر ذلك إلى حد بعيد سبب الغضب الإيراني من المشاركة التركية في العقوبات. جمدت أنقرة أموال عشرات الكيانات والأفراد على أراضيها من "المرتبطين" بالبرنامج النووي. لم يتأخر رد وزارة الخارجية الإيرانية. فقد أعلن الناطق باسمها إسماعيل بقائي يوم الاثنين أن الخطوة التي اتخذتها تركيا "غير ضرورية" و"غير شرعية". لكنه في الوقت نفسه قلل من أهمية التداعيات، لأن المنظمات الإيرانية الخاضعة للعقوبات لم تملك أصولاً في تركيا كما قال.
تمثّل سياسة أنقرة الجديدة خيبة أمل خاصة للإيرانيين، بعد تعاونها المحتمل معهم في قضايا حساسة. فبحسب مكتب المدعي العام الأميركي في مانهاتن، تورط بنك "خلق" المملوك بمعظمه من الدولة التركية في مساعدة إيران على الالتفاف حول العقوبات. واتهم الادعاء البنك بنقل نحو 20 مليار دولار من الأصول المجمدة وتحويل عائدات نفطية إلى ذهب وسيولة بين سنتي 2012 و2013 بموجب المخطط. ينفي البنك الاتهام. لا تزال القضية مستمرة منذ سنة 2019، وقد أعلنت المحكمة العليا الأميركية الاثنين رفضها النظر في مطالبة البنك بتمتعه بالحصانة. كما يرفض المصرف الاتهام بأن جزءاً من الأموال مر في النظام المالي الأميركي.
قد يواجه البنك في حال الإدانة غرامة بقيمة ملياري دولار، لكنه ذكر في بيان أن "المبادرات لإيجاد توافق قانوني (بين البلدين) تستمر في اتجاه إيجابي". ونقلت "رويترز" الثلاثاء عن مصدرين قولهما إن تركيا اقترحت الشهر الماضي إيجاد تسوية بقيمة 100 مليون دولار، بشرط ألا يعترف البنك بأي ذنب. جاء ذلك خلال زيارة أردوغان البيت الأبيض في 25 أيلول برفقة وفد وزاري.
بالتوازي، يؤشر حجم التبادل التجاري بين البلدين مؤخراً إلى تطلعات تركية أبعد من الجار الإيراني. ففي سنة 2023 مثلاً، لم تشكل إيران سوى 0.65 في المئة من مجمل واردات تركيا.
الأزمنة تغيرت
تتطلع تركيا أيضاً إلى حل قضية فصلها من مشروع بناء وشراء مقاتلات "إف-35" بعدما اشترت صواريخ "إس-400" من روسيا، بالرغم من اعتراض دول الناتو. علاوة على ذلك، هي ترغب على الأرجح بعدم استعادة إيران نفوذها في سوريا بعد سقوط حكم الأسد. وتريد أنقرة دعم مشروع ممر زنغزور الذي يحظى ببركة واشنطن.
بمعنى آخر، تجد تركيا نفسها اليوم في وضع مغاير لما كانت عليه الظروف قبل نحو عقد من الزمن، وبالتالي، هي بحاجة للتقرب من الأميركيين للاستفادة من الفرص المحتملة.
في هذا الوقت، تفكر إيران بإرسال مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان نحو العراق وتركيا رداً على عودة العقوبات الأممية والحرب الإسرائيلية الأخيرة عليها. يبدو أن الخلاف المحتمل بين تركيا وإيران لا يمنع طهران من استخدام بعض أدوات الضغط التي لجأت إليها أنقرة في ذروة توترها مع الغرب.