مشهد غير مألوف في إيران: حفلات موسيقية تُفرح الشباب وتُغضب المتشددين (فيديو)

أثارت الفيديوات المنشورة لحفل زانيار وسيرفان خسروي، في قصر نيافاران بطهران، موجة واسعة من ردود الأفعال والتحليلات المتباينة بين مؤيدين ومعارضين، في داخل إيران وخارجها.
تُظهر المقاطع حشداً كبيراً من الرجال والنساء وهم يغنون مع المغنيَين على المسرح، ويرقصون ويحتفلون في الهواء الطلق، في مشهد أقرب إلى حفلات البوب في الدول الحرّة. وعندما يتأكد المشاهدون من أن هذه الصور من إيران يطرحون التساؤل: هل تغيرت سياسات الجمهورية الإسلامية؟
يرى بعض المؤيدين لتوسيع الحريات الاجتماعية أن تزامن الحفل مع الذكرى الثالثة لوفاة مهسا أميني (أيلول/سبتمبر 2022)، ومع إعادة فتح الجامعات، لم يكن صدفة، بل "حيلة حكومية" لتهميش ذكرى انطلاق حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، ولإشغال الطلاب عن الاحتجاجات في الجامعات. في المقابل، يعتبر آخرون أن السلطات، في ظروف ما بعد الحرب ومع تفعيل آلية "الزناد" أخيراً، مضطرة إلى تخفيف الضغط عن المجتمع في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
ردود أفعال المتشددين
في المقابل، أثارت المشاهد غضب شريحة مؤثرة من المتشددين الذين اعتبروها مخالفة للأحكام الإسلامية ولسياسات الجمهورية الإسلامية الاجتماعية والثقافية، مطالبين بردع هذه المظاهر ومنع تكرارها. أكثر ما أثار حفيظتهم كان ظهور نساء من دون حجاب إلزامي مع رقص مختلط انتشرت مقاطعه على نطاق واسع. هؤلاء المعارضون، وأفلبهم من الأوساط الدينية المتشددة المتحالفة مع الحكومة، وجّهوا انتقادات أيضاً إلى المسؤولين، متسائلين عن سبب السماح بمثل هذه الفعاليات، ومؤكدين أنه "لا ينبغي أن تصبح طهران شبيهة بدبي أو بيروت".
يرى علماء الاجتماع أن تفاعل الشباب الإيراني الكبير مع أغنية "أحب الحياة" لزانيار وسيرفان خسروي يعكس أولوية السعادة لدى الجيل الجديد، وأن أنماط حياته تغيّرت كثيراً، وعلى الحكومة الإقرار بذلك بدلاً من مقاومته. فهذه الحفلات، وفق رأيهم، تتجاوز كونها عروضاً موسيقية لتشكل رمزاً لتحولات اجتماعية وثقافية أعمق.
اتساع نطاق الاحتفالات
بالتوازي مع حفلات طهران، انتشرت صور لاحتفالات مختلطة في أماكن عامة مثل مراكز التسوق، حيث رقص رجال ونساء معاً، ما أثار مخاوف وانتقادات متزايدة. وتوجّهت الأنظار خصوصاً إلى مطاعم جزيرة كيش جنوباً، وإلى الجولات السياحية والمخيمات الغابية في رامسر، ومجمع تجاري في شرقي العاصمة. لكن أكثر ما أثار الجدل كان تقديم المشروبات الكحولية في بعض المقاهي الحديثة والفاخرة في طهران، الأمر الذي استدعى تدخلاً قضائياً وأمنياً تمثل بإغلاق هذه المقاهي واعتقال أصحابها. وأكد المدعي العام في العاصمة أن الحملة مستمرة.
تأتي هذه التطورات بعد مرور شهرين ونصف على حرب الـ12 يوماً التي شنتها إسرائيل على إيران، لتكشف أن المجتمع يتطلّع إلى فضاء أكثر حرية وانفتاحاً، بينما لا تزال الحكومة غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية في سياساتها الاجتماعية والثقافية، مكتفية بتخفيف نسبيّ في مسألة الحجاب، يتركز أثره أساساً في طهران والمدن الكبرى.
إغلاقات في مدن أخرى
خلال الأيام الأخيرة، أُغلقت ثلاث مقاهٍ في مدينة دزفول جنوب غربي إيران بسبب عدم التزام الزبائن بالحجاب. وفي اليوم التالي، أُغلق مقهى في نيافاران بطهران كان يستعد لإقامة حفل بحضور نساء راكبات دراجات نارية يطالبن بمنحهن رخص قيادة، وهو مطلب سبق للحكومة أن وعدت بدعمه.
ووفق تقارير رسمية وغير رسمية، أُغلق نحو 20 مقهى وحديقة مطعم وقاعة زفاف في الشهرين الماضيين بتهمة "مخالفة معايير اللباس والحجاب"، في مدن عدة منها طهران ودزفول وهمدان وكاشان وأصفهان. وفي الوقت نفسه، أُغلقت 42 منشأة مماثلة في مدينة رشت شمالاً، التي تُعرف بانفتاحها الثقافي والاجتماعي، وتعدّ الثانية بعد طهران في عدد المقاهي. ويظلّ ميدان البلدية فيها، أحد أبرز مقاصد السياحة الداخلية، مكتظاً بالزوار حتى ساعات متأخّرة من الليل.
التغيير يمتد إلى المدن الدينية
لم تقتصر هذه التحولات على المدن الكبرى، بل وصلت أيضاً إلى مدن دينية مثل قم ومشهد، حيث كان التعامل أشد صرامة. فقبل يومين، وبعد تداول مقاطع لموسيقى ورقص مختلط في أحد مقاهي قم، سارعت السلطات إلى إغلاقه. وردّ محمد رئيسي، ممثل المدينة في البرلمان، بالقول: "إلغاء ترخيص المقاهي المخالفة للمعايير هو الحد الأدنى المتوقع تجاه هذه الفضيحة؛ وإلا فسأقوم بواجبي الشرعي والثوري".
وفي الأسبوع الماضي، أدى نشر صور عرض أزياء في سوق طهران الكبير إلى إغلاق المحل المنظم واستدعاء القائمين عليه إلى المحكمة.
تحديات اجتماعية مقبلة
تشير هذه الوقائع إلى أن المجتمع الإيراني، ولا سيما الشباب، لن يتراجع عن مطالبه في الحصول على فضاءات وفعاليات تعكس نمط حياة أكثر حرية. لكن استمرار الحكومة في تشبثها بسياساتها الصارمة، قد يؤدي ازدياد احتمالات تصاعد التوترات الاجتماعية، في ظل أعباء اقتصادية متفاقمة ومخاوف من اندلاع مواجهة جديدة تظل الشاغل الأكبر للشعب الإيراني.