الإيرانيات يتسابقن على الدرّاجات النارية... ويفرضن أنفسهنّ على القانون! (فيديو)

قبل 30 عاماً، تعرّضت فائزة هاشمي رفسنجاني، ابنة رئيس الجمهورية الإيرانية آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني (الذي شغل المنصب من 1989 إلى 1997)، لانتقادات شديدة من أفراد وجماعات متطرفة في إيران بسبب دفاعها عن حق النساء والفتيات في ركوب الدراجات الهوائية. كانت الفكرة السائدة أن ركوب الدراجات الهوائية للفتيات لا يتوافق مع الحياء والعفة التي يؤكد عليها الإسلام، وأنه يؤدي إلى لفت أنظار الرجال غير المحارم إلى النساء! لكن اليوم، في طهران وفي العديد من المدن الإيرانية الأخرى، تركب الفتيات – حتى الفتيات المحجبات – الدراجات الهوائية دون قيود، وقلما يعتبر أحد ذلك دليلاً على عدم الحياء.
من القيادة إلى الدراجات النارية
قبل نصف قرن (حوالي عام 1975)، كانت قيادة السيارات للمرأة في إيران أمراً غير مألوف، لكن اليوم أصبح أمراً طبيعياً جداً وقانونياً في معظم أنحاء إيران. ومنذ فترة، بدأت النساء والفتيات في إيران، خاصة في المدن الكبرى، باستخدام الدراجات النارية للتنقل والتجوال في مدينة مزدحمة مثل طهران، وأحياناً للترفيه والمتعة، وهذه الظاهرة في تزايد يومي.
في إيران، لا قانون يمنع ركوب الدراجات النارية للمرأة، لكن بما أن هذا الأمر يتطلب رخصة قيادة أو شهادة لقيادة الدراجات النارية، ونظراً إلى أن القانون الحالي لا يتيح للنساء الحصول على شهادة قيادة الدراجات النارية، فإنهن يواجهن قيوداً عملية، وتتعامل الشرطة معهن. وفي حال تعرّض النساء اللواتي يركبن الدراجات النارية لحوادث، لا تقبل شركات التأمين مسؤولية دفع التعويضات عن الأضرار الواردة.
وحالياً، فقط في إيران وأفغانستان واليمن وسوريا وتركمانستان وبعض المدن في العراق، لا تتمتع النساء بحق ركوب الدراجات النارية.
مساواة أم تمييز؟
ويقول الحقوقيون إنه لا سبب لحرمان النساء من حق ركوب الدراجات النارية، وإن النساء والرجال متساوون في هذا الأمر. وتنص المادة 20 من الدستور الإيراني (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية المعتمد عام 1979 ومعدّل عام 1989) على أن جميع أفراد الأمة، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، يتمتعون بحماية القانون بالتساوي، ويتمتعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع مراعاة المعايير الإسلامية. وتمنح المادة 46 من الدستور النساء حق الملكية، بما في ذلك الدراجات النارية، فكيف يمكن حرمانهن من حق استخدامها؟
نقل نائب سابق لشرطة المرور عن دراسات أن السيدات يتصرّفن بطريقة أكثر احتراماً للقانون وانتظاماً في القيادة، ولهنّ حصّة أقل في الحوادث، ولهذا السبب يمكن أن يظهر هذا الأمر نفسه في قيادة النساء للدراجات النارية أيضاً.
ومن المثير للاهتمام أن النساء الإيرانيات، مثل أرزو عابديني (التي شاركت في بطولات دولية لسباق الدراجات النارية وفازت بجوائز)، يشاركن في مسابقات عالمية لسباق الدراجات النارية، وحتى مسابقات موتوركروس للنساء تقام في إيران. كما حصلت بعض النساء على رخص قيادة الدراجات النارية في دول أخرى مثل الولايات المتحدة، ولهذا السبب هن غير راضيات عن حرمانهن من ركوب الدراجات النارية في إيران.
بين المؤيدين والمعارضين
وتقول بعض النساء المدافعات عن حق ركوب الدراجات النارية للمرأة: كيف يمكن أن يكون الأمر مقبولاً إذا ركبت المرأة الدراجة النارية مع رجل، لكنه غير مقبول إذا أرادت ركوبها بنفسها؟ أما المعارضون لركوب الدراجات النارية للمرأة، الذين هم في الأقلية، فيستندون حتى إلى أحاديث في النصوص الدينية تنهى النساء عن ركوب سُرج الخيل والإبل! ويستنتجون من ذلك أن ركوب الدراجات النارية للمرأة مخالف للشرع.
ومن المثير للاهتمام أن امرأة في مدينة أصفهان رفعت عام 2019 دعوى قضائية ضد الشرطة مستندة إلى عدم وضوح القانون، وطالبت بإصدار رخصة قيادة دراجة نارية لها. وعقدت المحكمة جلسات متعددة، ثم ألزمت الشرطة بإصدار الرخصة لهذه السيدة. لكن الشرطة رفضت الحكم وطالبت بإعادة النظر فيه، وفي النهاية حكمت محكمة الاستئناف لصالح الشرطة، وألغي إصدار الرخصة للنساء.
بعد حركة الحجاب الاختياري
بعد حركة الدفاع عن الحجاب الاختياري عام 2022 (التي شهدت احتجاجات واسعة في إيران عقب وفاة مهسا أميني في حجز الشرطة)، زاد الاهتمام بركوب الدراجات النارية في إيران، وعندما تركب النساء الدراجات النارية مرتديات خوذ الأمان، يصبح من الصعب على الآخرين، بما في ذلك الشرطة، التمييز بين ما إن كان السائق رجلاً أم امرأة، ولا يجري إزعاج النساء. مع ذلك، تطالب النساء الإيرانيات بحقهن في ركوب الدراجات النارية، وهذا الطلب يتحوّل بالتدريج إلى مطالبة عامة، إلى حد أن رئيس شرطة المرور الإيرانية أعلن أنه إذا اعتُمد القانون اللازم في هذا الشأن، فإن الشرطة ستطبّق القانون لإصدار رخص قيادة الدراجات النارية للنساء. وأعلنت الحكومة أنها أعدّت مشروع قانون لإصدار رخص قيادة الدراجات النارية للنساء الإيرانيات، وسيُقدَّم إلى البرلمان قريباً، لكن يبدو أن عملية الموافقة عليه في البرلمان الإيراني المحافظ، الذي لا يخلو من عدد غير قليل من المتطرفين، ستواجه تحديات جدية.
حالياً، تناقش الأغلبية المؤيّدة والأقلية المعارضة، ركوب المرأة الدراجات النارية في إيران في الفضاء الافتراضي، ويحاول كل فريق فرض رأيه.
لكن ما يجري هو أن النساء والفتيات الإيرانيات يركبن الدراجات النارية دون الالتفات إلى هذه السجالات ودون القلق من غرامات الشرطة، ما يظهر أن الواقع الاجتماعي، إن لم يُقبل في المجتمعات بصدر رحب، فإنه يفرض نفسه على المجتمع.