ممر زنغزور بين أذربيجان وأرمينيا… لماذا يُقلق إيران؟

في التاسع من آب/أغسطس، وقّع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان ورئيس أذربيجان إلهام علييف، في البيت الأبيض، وبحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اتفاقية لإنشاء ممر زنغزور، وتقضي بالسماح لشركة أميركية بإقامة هذا الممر على الحدود الشمالية الغربية لإيران، على أن تتولى الولايات المتحدة وأرمينيا إدارته وتشغيله. وبذلك، أقرّت جارتا إيران بوجود أميركي رسمي على حدودها الشمالية الغربية.
وفقاً لترامب، فإن جزءاً من ممر زنغزور، المسمى "ممر ترامب"، والذي يمر عبر أرمينيا، قد أُجّر لشركة أميركية لمدة 99 عاماً. هذه الطريق، البالغ طولها 43 كيلومتراً، تمتدّ على طول الحدود الجنوبية لأرمينيا مع إيران، وتربط أراضي أذربيجان بمنطقة نخجوان المنفصلة عنها، ثم بتركيا وأوروبا.
رحبت وزارة الخارجية الإيرانية بإتمام نص اتفاق السلام بين البلدين، واعتبرته خطوة مهمة نحو تحقيق سلام دائم في المنطقة، لكنها عبّرت في الوقت نفسه عن قلقها من التداعيات السلبية المحتملة لهذا الاتفاق، ولا سيما في المناطق المحاذية لحدود إيران الشمالية، التي قد تهدد الأمن والاستقرار على المدى البعيد.
فما هي أبرز المخاوف لدى الجمهورية الإسلامية حيال هذا الاتفاق؟
1. تجاوز الخطوط الحمراء الإيرانية: ترى طهران أن أذربيجان وأرمينيا تجاوزتا الخطوط الحمراء التي وضعتها بشأن إنشاء هذا الممر، إذ سبق أن أعلنت رفضها لأي خطوة قد تؤدي إلى تغيير حدودها الشمالية الغربية. وكان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قد عبّر العام الماضي عن موقف صارم في هذا الشأن، وأجرت إيران مناورات عسكرية لتأكيد رسالتها. ومع إنشاء هذا الممر، ستختفي الحدود المشتركة بين إيران وأرمينيا، مما سيغلق منفذها التاريخي إلى أوروبا القائم منذ آلاف السنين.
2. وجود الشركات الأميركية: تخشى إيران من الحضور الرسمي المرتقب للشركات الأميركية على حدودها الشمالية، وما قد يصاحبه من وجود عسكري وأمني أميركي، وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
3. فقدان فرصة المبادرة الإيرانية: كان بإمكان طهران طرح مشروع يربط أذربيجان بمنطقة نخجوان عبر أراضيها أو عبر أرمينيا، لكنها لم تفعل. وبفشل هذا الخيار، استغلت الولايات المتحدة الفرصة رغم معارضة روسيا وإيران، مما قد يلحق ضرراً بالعلاقات التقليدية بين طهران ويريفان.
4. إقصاء روسيا: ترى إيران أن استبعاد روسيا، حليفتها الاستراتيجية، من هذا الاتفاق أمر مقلق. فبعد حرب ناغورني كراباخ الثانية عام 2020، تم التوصل في الكرملين، بحضور الرئيس فلاديمير بوتين، إلى اتفاق لوقف الحرب، ونشرت قوات حفظ سلام روسية على حدود كراباخ وفي الممر الرابط بينها وبين أرمينيا. أما الاتفاق الأخير في البيت الأبيض، فيحمل رسالة واضحة إلى موسكو وطهران بأن واشنطن دخلت مجال نفوذهما التقليدي عبر مشاريع اقتصادية حساسة، قد تمهد لاحقاً لوجود عسكري أميركي مباشر.
5. تحقيق فكرة "تركستان الكبرى": تعتبر طهران أن ممر زنغزور يحقق حلم "تركستان الكبرى" الذي يربط تركيا بالدول الناطقة بالتركية، وهي فكرة سعت أنقرة لتحقيقها منذ عقود. وترى إيران أن هذا الممر قد يُستغل لتعزيز التواصل القومي مع الأذريين داخل أراضيها، بما يشكل ضغطاً داخلياً عليها.
6. ممر للناتو: ترى إيران أن الممر يشكل طريقاً برياً يربط حلف الناتو ببحر قزوين، وهو ما يمثل تهديداً كبيراً لها، إذ قد يتيح للناتو تعزيز وجوده العسكري في القوقاز وإنشاء جسر بري وبحري نحو آسيا الوسطى، وهو أمر مرفوض من طهران.
7. الإخلال بتوازن القوى: تعتقد إيران أن الممر سيغيّر ميزان القوى في القوقاز لصالح أذربيجان، في حين أنها تدعو دائماً إلى الحفاظ على توازن القوى وتجنب التوترات والصراعات في المنطقة.
8. تعزيز الوجود الإسرائيلي: ترى طهران أن الممر سيزيد من نفوذ إسرائيل في القوقاز، إذ تستورد الأخيرة أكثر من 40% من نفطها من أذربيجان، وتزوّد باكو بنحو 80% من أسلحتها. وتتهم إيران إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال لعلماء نوويين داخل أراضيها، وإرسال طائرات مسيرة للتجسس والتخريب عبر الحدود الأذرية، وترى أن الممر قد يسهّل على إسرائيل الوصول البري المباشر إلى حدودها.
9. التأثير على المزايا الجيوسياسية: تخشى إيران من أن يقلل الممر من أهميتها كحلقة وصل بين الشرق والغرب، إذ كانت الممرات التجارية الدولية تتوزع بين مسار شمالي عبر روسيا، وآخر جنوبي عبر إيران، لكن ظهور مسار وسطي جديد عبر زنغزور قد يضعف موقعها الجغرافي ويعزز سياسة الغرب في تهميش دورها.
هذه المخاوف مجتمعة أثارت ردود فعل غاضبة داخل إيران، كان أبرزها تصريح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى، الذي قال بلهجة شديدة إن "منطقة القوقاز ليست بلا صاحب، وممر زنغزور سيتحول إلى مقبرة لمرتزقة ترامب". ومن المتوقع أن تصدر مواقف إيرانية أخرى ضد هذا الاتفاق في الأيام المقبلة.