تسلّل إلى البنية الأمنيّة... لماذا نجح الموساد في اختراق إيران؟

تزامناً مع سلسلة ضربات إسرائيلية غير مسبوقة استهدفت إيران على مدار 12 يوماً، كشفت وسائل إعلام إيرانية عن عمليات توقيف طالت عدداً من الأشخاص بتهمة التجسس لمصلحة إسرائيل في مختلف أنحاء البلاد.
ووصلت حصيلة التوقيفات بتهمة التجسس لمصلحة إسرائيل إلى أكثر من 700 شخص، فيما لم يُعلن بعد عن العدد الدقيق للاعتقالات في طهران، بحسب ما أفادت وكالة "نور نيوز".
وشملت التهم المنسوبة إلى الموقوفين توجيه طائرات مسيّرة صغيرة ومسيّرات انتحارية، فضلاً عن صنع قنابل محلية، وتصوير مراكز عسكرية حساسة، وإرسال معلومات إلى الجيش الإسرائيلي. وفي طهران وحدها، تم اكتشاف ومصادرة أكثر من 10 آلاف مسيّرة صغيرة.
وتستند تلك الإحصائيات إلى تقارير رسمية نشرتها المؤسسات الأمنية والقضائية في البلاد، إلا أنها لا تشمل الحالات المتعلقة بالرعايا الأجانب المحتجزين.
وكانت مصادر إسرائيلية قد كشفت سابقاً أن فرقاً من الموساد انتشرت على الأراضي الإيرانية، ودرّبت مجموعات عدة قبل أشهر من تفجّر الحرب.
الموساد لاعب مركزي
وفي قراءة لظاهرة انتشار خلايا الموساد وأسبابها في إيران، يقول المتخصص بالشأن الإيراني الدكتور خالد الحاج في حديث لـ"النهار": "لطالما شكّل جهاز الموساد الذراع الطويلة لإسرائيل في الحروب غير التقليدية. لكن منذ بداية عام 2000 تحوّل الموساد من جهاز استخبارات كلاسيكي إلى لاعب مركزي في رسم السياسات الإسرائيلية، خصوصاً تجاه إيران، بل أصبح هو من يصنع الحدث، وبذلك تحوّلت عقيدة الموساد إلى الأسلوب الهجومي بدل الدفاعي".
اختراق النواة الأمنية الإيرانية
ويشرح أنه "في الحالة الإيرانية، لا يمكن النظر إلى تنامي نشاط الموساد على أنه مجرّد اختراق أمني عابر، بل هو تحوّل بنيوي في مفهوم الصراع بين الدولتين. إذ باتت إسرائيل تخوض مواجهتها مع إيران من داخل إيران، مستخدمة أدواتها الاستخبارية، وقدراتها التقنية، وشبكاتها السرية التي نسجتها على مدى عقدين في العمق الإيراني".
ويقول: "منذ عام 2010، ومع تسارع وتيرة البرنامج النووي الإيراني، بدأت عمليات نوعية تنسب مباشرة إلى الموساد، بدءاً من اغتيالات العلماء النوويين، ثم جاءت عملية سرقة الأرشيف النووي من طهران عام 2018".
ويضيف: "غير أن الضربة الأكثر قسوة تمثّلت باغتيال محسن فخري زادة، الذي لم يكن مجرد عالم، بل رأس المشروع النووي العسكري. ونُفذت العملية في تشرين الأول/نوفمبر 2020 باستخدام سلاح آلي يتم التحكم به عن بعد عبر الأقمار الاصطناعية، ما كشف عن طفرة نوعية في تكنولوجيا الموساد، واختراقه الزمني والمكاني للنواة الأمنية الإيرانية".
ويتابع الحاج: "رافقت تلك العمليات موجات من التفجيرات الصناعية والتخريب الإلكتروني في منشآت كبرى كنطنز وبارشين، ما سبّب تأخيرات تقنية ملموسة في المشروع النووي، وأعاد توجيه بوصلة الصراع من الحدود إلى البنى التحتية الداخلية".
هشاشة البيئة الداخلية الإيرانية
لكن السؤال الأهم يبقى: لماذا نجح الموساد في اختراق إيران بهذا الشكل؟ الجواب، وفقاً للحاج لا يكمن فقط في براعة الموساد، بل أيضاً في هشاشة البيئة الداخلية الإيرانية في لحظات التحوّل.
ويلفت الحاج الى أن "الداخل الإيراني تحوّل إلى ساحة حرب استخباراتية غير معلنة، وظهر الموساد كفاعل ميداني يُدير معركته بصبر استراتيجي طويل، يهدف إلى إنهاك بنية النظام لا إسقاطه المباشر، لكن أخطر ما يُظهر عمق الاختراق الإسرائيلي، ليس فقط في اغتيال علماء أو تفجير منشآت، بل في تسلل الموساد إلى داخل البنية الأمنية الإيرانية نفسها".
الوضع الاقتصادي والنظام
من ناحيته، يرى المحلل المتابع للشؤون الإقليمية إبراهيم ريحان أن "هناك أسباباً عدة لانتشار خلايا الموساد في إيران، والسبب الرئيسي يعود إلى الوضع الاقتصادي المتردّي بسبب العقوبات وحاجة الناس إلى الأموال، إضافة إلى أن البعض داخل إيران يحمّل مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع إلى النظام الحالي، وبالتالي هم على استعداد للتعاون مع أي طرف لإلحاق الضرر به". ويضيف: "هناك قسم من الجيل الثاني والثالث بعد ثورة (روح الله) الخميني لا يعتبرون أنفسهم ملزمين أيديولوجياً بالنظام الحالي، وأيضاً وجود ميل لدى الشعب الإيراني للانفتاح نحو الغرب أكثر من الشرق عكس النظام".
وعن قراءته لانتشار هذه الظاهرة بكثرة، يقول ريحان لـ"النهار": "السلطات الإيرانية لم تبذل الجهد الكافي خلال السنوات الماضية لمكافحة انتشار خلايا الموساد، وذلك لانشغالها بمعارك الإقليم وخصوصاً محاولة تمتين نفوذها في سوريا، بالتالي فإن تركيزها على الخارج أفقدها التركيز على الداخل. كما يدل ذلك على وجود مزاج لدى فئة كبيرة من الشعب الإيراني لا ترى أن النظام الحالي يمثل تطلّعاتها لا من حيث شكل النظام ولا من حيث صدامه مع الغرب".
دور أساسي خلال الحرب
أما عن تأثير ودور العملاء على مسار الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، فيؤكد ريحان أن "العملاء لعبوا دوراً أساسياً في الحرب لناحية تحديد الدفاعات الجوية وتعطيلها عبر إطلاق الطائرات المسيرة من مسافات قريبة، بالإضافة الى تحديد أماكن ضباط وقادة الحرس الثوري وفيلق القدس والعلماء النوويين".
ويضيف أن "بعض الخلايا بالداخل نفّذت عمليات اغتيال للعلماء النوويين، لذا كان لها تأثير كبير من الناحية الأمنية لناحية تزويد الإسرائيليين بالمعلومات الاستخبارية في ما يتعلق بالعناصر البشرية، وأيضاً تحديد أماكن الدفاعات الجوية ومنصات الصواريخ المخبأة بالجبال وبعض المنشآت الأساسية التي تدخل ضمن البرنامج النووي والتي كانت تعتبر سرية".
ووفقاً لريحان، فإن "الجغرافيا الإيرانية الواسعة سهّلت على هذه الشبكات إنشاء قاعدة مسيّرات داخل شاحنات وتجهيزها. وبسبب المساحات الواسعة من الصعب على أي جهاز أمني بوضع إيران المضطرب أن يتمكن من ضبط الخلايا الموجودة أو ملاحقتها".
في الختام، يتضح أن نشاط الموساد داخل إيران لا يقتصر على عمليات استخباراتية تقليدية، بل يشمل شبكات معقدة من العملاء المحليين والعمليات النوعية تستهدف الأمن القومي الإيراني.