خلفيات الارتباك في مسار المحادثات النووية بين طهران وواشنطن

أعلنت ايران وأميركا بعد ثلاث جولات من المحادثات خلال ثلاثة أسابيع متتالية بوساطة عمانية في مسقط وروما، أن الجولة الرابعة من المحادثات التي كانت مقررة السبت 3 أيار/مايو في روما قد أُرجئت. ورغم أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اعتبر أن الأسباب اللوجستية والفنية تقف وراء إرجاء المحادثات، وأكد أن أي تغيّر لم يطرأ على الإرادة الإيرانية للتوصل إلى مقاربة، لكن يبدو أن سبب إرجاء المفاوضات هو أكثر تعقيداً وتنوعاً من الأسباب المُعلنة.
وكنت قد أكدت في المقالات السابقة التي نُشرت في "النهار" أن التعقيدات وأهمية المحادثات بين إيران وأميركا هي بالشكل، بحيث أن تقدمها وتوصلها إلى النتيجة المنشودة تعترضهما عقبات عديدة. وأشير في هذا المقال إلى عدد من الأحداث التي تُظهر أن ثمة تطورات حدثت في كواليس المحادثات ساهمت في إرجاء الجولة الرابعة. والأهم من ذلك الانفجار الذي وقع في ميناء الشهيد رجائي التجاري، والذي تزامن مع الجولة الثالثة من المحادثات، وأسفر عن نحو 60 قتيلاً و 1500 جريح وخسائر تُقدر بـ 4 مليارات دولار. وعلى رغم أن الأخبار الرسمية لم تؤكد حتى الآن حصول عمل تخريبي، بيد أن قرائن كثيرة تشير إلى ضلوع إسرائيل في الانفجار. إن احتمال وجود مواد كيميائية قابلة للاستخدام في صناعة الصواريخ في هذا الميناء والتمهيد الإعلامي في هذا المجال منذ ثلاثة أشهر، هما أكبر من أي دليل آخر، على ضلوع إسرائيل بهذا الانفجار. الحادث الذي ترك أثره السلبي على مجرى المحادثات.
وترى السلطات الإيرانية أن أي إجراء من جانب إسرائيل ضد إيران، يتم بضوء أخضر من أميركا، وثمة انطباع في إيران بأنه إن كان لإسرائيل ضلع في تفجير ميناء الشهيد رجائي، فإن ذلك لم يكن ليحصل من دون علم أميركا، وهذا يُظهر في ذاته أن واشنطن بالتزامن مع المحادثات، تستخدم أداة الضغط على طهران. وهي النقطة التي أشار إليها الرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني محمد سرافراز على منصة "إكس" إذ كتب: "في فرصة الشهرين من المحادثات النووية، أميركا تتفاوض وإسرائيل تنفذ العمليات!".
وعلى الجانب الأميركي، يبدو أن التصريحات التهديدية ضد إيران قد تصاعدت، وحتى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان قد اعتبر قبل أيام فحسب أن التوصل إلى اتفاق بات وشيكاً، ينفذ من خلال مواقفه المتضاربة وأحياناً المتناقضة، سياسة الجزرة والعصا حيال إيران. فهو يعرب تارة عن حرصه على التوصل إلى اتفاق مع طهران وحتى أنه كلف بدلاً من وزير خارجيته ماركو روبيو، أحد القريبين منه أي ستيف ويتكوف، مهمة إجراء المحادثات مع إيران، لكنه قال في آخر تصريح له إن أي بلد يشتري النفط منها لن يُسمح له بالتجارة مع الولايات المتحدة، أي بدلاً من إعطاء الضوء الأخضر لرفع العقوبات، وهو ما يشكل المطلب الرئيسي لايران، يعود ويؤكد على تكثيف العقوبات. وبالتزامن، تجاوز وزير الخارجية الأميركي الخط الأحمر المعلن من إيران وقال إن عليها التوقف عن تخصيب اليورانيوم، لأن البلد القادر على التخصيب بنسبة 3.67 بالمئة، سيكون قادراً على تصنيع قنبلة ذرية. وكانت طهران قد طلبت من واشنطن في الجولة الثالثة من المحادثات أن تشارك وتستثمر في هذا القطاع من أجل "تبديد المخاوف حيال الأنشطة النووية الإيرانية".
وأثارت هذه المواقف والإجراءات الأخرى احتجاج إيران وقلقها. وفي آخر إجراء، بادرت وزارة الخزانة الأميركية في 30 نيسان/أبريل إلى وضع عقوبات على 7 كيانات مرتبطة بتجارة مشتقات النفط والبتروكيماويات مع إيران، وأعلن وزير الخارجية ذلك رسمياً. والطريف أن العقوبات الأخيرة وُضعت على شركة تقول واشنطن إنها المسؤولة عن توفير بيركلورات الصوديوم وثنائي أوكتيل الساباكيت من الصين لإيران. وهي المواد التي تشكل المكوّن الرئيسي للوقود الصلب للصواريخ البالستية.
وبالتزامن مع الإعلان عن العقوبات الجديدة، توجه وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بكلامه إلى إيران قائلاً: "إننا نشاهد دعمكم القاتل للحوثيين... ستدفعون ثمن هذا الدعم في الزمان والمكان اللذين نختارهما نحن". وقد قوبلت هذه التصريحات التهديدية، بردة فعل من موقع "نور نيوز" التابع للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي قال: "أظهرت التجربة أن واشنطن كلما تصاب بالضعف أو العجز في الحصول على تنازلات في المحادثات، تعود إلى لغة التهديد والضغط. إن هذه التهديدات والإجراءات بما فيها العقوبات التي تضعها أميركا بصورة منتظمة قبيل كل جولة من المحادثات ضد إيران، تشكل محاولة للتأثير النفسي على مسار المحادثات أكثر من كونها توطئة للقيام بعمل عسكري حقيقي".
وبعد يوم واحد، أظهر نبأ إقالة مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز ومساعده أليكس وانغ على خلفية تسريب أخبار عسكرية سرية على تطبيق "سيغنال"، وأسباب أخرى، أن ثمة تغيرات مهمة داخل فريق صنع القرار للسياسة الخارجية الأميركية على الأبواب ، وربما لن يكون ذلك في مصلحة المحادثات مع إيران. ورغم كل هذه التطورات، لا تزال كفة الأمل بالتوصل إلى اتفاق بين إيران وأميركا أكثر ترجيحاً، ويبدو أنه كما أعلن وزير الخارجية الإيراني، إن تم رفع العقوبات والاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلن تنجح القضايا التي يُثيرها معارضو الاتفاق، إلا إذا أرادت أميركا تغيير جهة المحادثات نحو فرض مطالب أحادية بدلاً من الاتفاق، وحينها لن ترضخ طهران إطلاقاً لهكذا اتفاق.