عرض عضلات أميركي – إيراني... الحرب أقرب أم كأس السم؟

يزداد المشهد تعقيداً مع امتناع إيران عن الرد رسميّاً على الرسالة التي وجهها ترامب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، ودعاه فيها إلى الحوار والاتفاق لكنّه هدّد في الوقت ذاته بعمل عسكري في حال عدم استجابة طهران.
عرض عضلات أميركي – إيراني... الحرب أقرب أم كأس السم؟
جانب من المنشأة الصاروخية التي كشفت عنها إيران
Smaller Bigger

لا يكاد يمرّ يوم من دون تهديدات متبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، انتقلت في الساعات الأخيرة من الكلام والتنظير إلى خطوات أكثر جدية مع الإفراط باستعراض القوّة. واشنطن قرّرت إرسال حاملة الطائرات "كارل فينسون" إلى البحر الأحمر لتنضمّ إلى زميلتها "هاري ترومان" في مهمّة ضرب الحوثيين في اليمن، وفقاً للإعلان الأميركي. خطوة دفعت إيران إلى الكشف عن واحدة من أكبر مدنها الصاروخية في أعماق الأرض، وتضمّ آلاف الصواريخ الدقيقة.


هي رسائل عسكرية غير مباشرة إذاً يتبادلها البلدان، فالأميركيون لم يُعلنوا أنّ تعزيز قواتهم على مسافة قريبة من الجمهورية الإسلامية يهدف إلى شنّ حرب عليها، كما أنّ الإيرانيين لم يصوّبوا صواريخهم باتجاه أميركا ومصالحها، بل غمزوا من قناة إسرائيل، إذ أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري، خلال الكشف عن المنشأة الاستراتيجية، أنّ "كافة الأبعاد المطلوبة لتحقيق تفوّق نوعي يفوق بعشرات المرات عملية الوعد الصادق 2 قد بدأت بالفعل، وتم إنجاز جزء كبير منها"، في إشارة إلى الهجوم الذي نفذته القوة الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 ضدّ إسرائيل.


ومع أنّ الولايات المتحدة وإيران لم تنتقلا بعد إلى المرحلة العملية، أي المواجهة العسكرية المباشرة، إلا أنّ التراشق بالتصريحات والتهديدات، بات يثير تساؤلات ومخاوف بشأن إمكان اندلاع نزاع واسع النطاق في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الرفض الإيراني المتكرر لأي مفاوضات مع إدارة الرئيس دونالد ترامب تحت ضغط العقوبات الاقتصادية والتلويح بعملية عسكرية في حال عدم رضوخ طهران للشروط الأميركية بشأن برنامجها النووي، وملفات أخرى تُعرقل أي اتفاق بينهما كدعم إيران لتنظيمات معادية لإسرائيل وأميركا مثل "حزب الله" و"حماس" و"الحشد الشعبي" و"أنصار الله".

 


ويزداد المشهد تعقيداً مع امتناع إيران عن الرد رسميّاً على الرسالة التي وجهها ترامب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، ودعاه فيها إلى الحوار والاتفاق لكنّه هدّد في الوقت ذاته بعمل عسكري في حال عدم استجابة طهران، ويعتقد كثر أنه كان من الأفضل لو لم تشمل الرسالة التهديد والوعيد باستخدام القوة لأن هذا يضع الجمهورية الإسلامية في وضع صعب، ولن يكون من السهل عليها التراجع تحت الضغط.

 

إيران ستُدمّر... ولكن!
على رغم سوداوية المشهد، يرى محللون أنّ فرضية الحرب لا تزال ضعيفة أمام إمكان التوصّل إلى اتفاق، نظراً الى عوامل عدّة، أهمها النتائج الكارثية على المنطقة والعالم لأي صدام عسكري بين الجانبين.
يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في واشنطن الدكتور إدموند غريب، في اتصال مع "النهار"، إنّ "من المرجح أن تكون للحرب مع إيران عواقب كثيرة، تشمل عدم الاستقرار الإقليمي واضطرابات اقتصادية خصوصاً في أسواق النفط، وتكاليف بشرية ومالية باهظة".


ويضيف: "تشكّل قدرات إيران العسكرية تحديات للقوات الأميركية. الولايات المتحدة تتمتع بتفوق عسكري كبير على إيران بفضل قواتها الجوية والبحرية المتفوقة وتكنولوجياتها المتقدمة. ومع ذلك، فإن تكتيكات إيران العسكرية غير المتكافئة ونفوذها الإقليمي قد يعقّدان الصراع"، مشيراً إلى أنّ "الولايات المتحدة قد تحتاج إلى أكثر من مئتي ألف جندي، علماً أنّه تم إرسال أكثر من 150 ألف جندي بالإضافة إلى عدد مماثل من المتعاقدين خلال حرب العراق وما تلا ذلك".


ويتابع قائلاً إنّ "الهجوم على إيران قد يتصاعد إلى صراع إقليمي أوسع يشمل عدداً من الدول المجاورة، وقد يجذب قوى عالمية، وقد يؤدي إلى انتشار العنف وعدم الاستقرار في المنطقة"، لافتاً إلى أنّ هكذا صراع "سيؤدي إلى نزوح ملايين البشر واحتياجهم للمساعدة، وتدمير البنى التحتية الأساسية وخدمات أساسية، مما سيزيد من تفاقم معاناة المدنيين، ويُنتج أزمة إنسانية حادة".


إلى جانب ذلك، ستعاني إمدادات النفط من اضطرابات كون إيران هي من أكبر المنتجين ولديها القدرة أيضاً على إغلاق مضيق هرمز ولو لفترة، الأمر الذي ستكون له تداعيات على أسعار النفط وعدم الاستقرار الاقتصادي.
ويلفت غريب إلى أنّ هذا كله قد يؤدي إلى "مزيد من أعمال المنظمات الإرهابية المسلحة التي استغلت الفوضى في المنطقة لتعزيز أجنداتها. ومن دون شك ستكون هناك أيضاً تداعيات ديبلوماسية، من توتر للعلاقات بين البلدان المعنية وحلفائها، وهذا قد يؤدي إلى إعادة تنظيم التحالفات الدولية وزيادة توترات بين القوى الكبرى".


أما النتيجة الأخطر لأي هجوم أميركي على إيران فهي دفعها بالفعل إلى صناعة أسلحة نووية، وتسريع الانتشار النووي في المنطقة، إذ قد تسعى بلدان أخرى إلى ذلك لردع هجمات مستقبلية.

 

الاتفاق بدل الحرب؟
وأمام هذا السيناريو الكارثي، ربّما يكون الخيار البديل، أي التوصّل إلى اتفاق، أكثر قرباً إلى الواقع. فكما نشهد تصعيداً، ثمة أيضاً كلام صادر عن الجانبين يدلّ على إمكان التفاهم.
آخر الإشارات الإيجابية كان إعلان مديرة وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد، خلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأميركي، أنّ التقييمات الاستخباراتية الأميركية تشير إلى أن إيران لا تقوم حالياً بتصنيع قنبلة نووية.
كلام من شأنه أن يشكّل مخرجاً محتملاً لبدء حلّ هذه الأزمة الشائكة، فليس خافياً أنّ ترامب رغم تهديده بالحرب على إيران فهو لا يفضّلها، وقد ورد ذلك على لسانه أكثر من مرّة. ووفقاً للبروفيسور جون ميرشايمر، الباحث البارز في العلاقات الدولية والأستاذ في جامعة شيكاغو، فإنّ "ترامب يفضّل إدارة القضايا الخارجية مثل القضية الإيرانية من خلال الضغط الاقتصادي بدلاً من الصراع العسكري"، مؤكداً أن الرئيس الأميركي "يسعى إلى إنهاء الحروب القائمة بدلاً من بدء حروب جديدة".


على المقلب الآخر،  نلاحظ تصريحات متعاقبة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن إمكان الحوار والاتفاق في حال أوقفت واشنطن سياسة الضغوط القصوى حيال بلاده.
في 20 تموز/ يوليو 1988، وجّه قائد الثورة الإسلامية روح الله الخميني خطاباً إلى الإيرانيين عقب موافقته على قرار مجلس الأمن وقف الحرب بين إيران والعراق، قال فيه: "طوبى لكم أيها الشعب. طوبى لكم رجالًا ونساء. طوبى للمحاربين والأسرى والمفقودين وعائلات الشهداء العظيمة. وويل لي أنا الذي ما زلت على قيد الحياة، أتجرّع كأس السُّم المُلوّث بقبول القرار، وأشعر بالعار في مقابل عظمة هذا الشعب الكبير وتضحيته....".
خامنئي تجرّع هذا الكأس عندما وافق على الاتفاق النووي مع أميركا عام 2015، فهل يفعلها مجدداً؟


الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال