الأوسكار الثالث للسينما الإيرانية... إعلام النظام يعد معارضة الحرب جرماً!

رُشّحت الأفلام السينمائية الإيرانية سبع مرات لجائزة الأوسكار، فازت في ثلاث مرات منها، إذ فاز فيلم الرسوم المتحركة "في ظلال السرو" ( In the Shadow of the Cypress) بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير وذلك بعد الفيلمين السينمائيين "انفصال نادر عن سيمين" (2011) و"البائع" (2016) وكلاهما من إخراج أصغر فرهادي.
لكن ما يُسهم في إبراز هذا النجاح للسينما الإيرانية، هو المضمون المناهض للحرب لهذه الرسوم المتحركة، في الظروف التي تُلقي فيها الحرب بظلالها. وشهدت إيران وإسرائيل في العام الماضي، أعلى مستوى من التصعيد بينهما طيلة السنوات الـ45 الأخيرة.
وتتناول الدعاية الرسمية في إيران الحرب ونتائجها وتسعى مؤسسات وأجهزة كثيرة للإشادة بالقائمين على حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق (1980-1988) في المجتمع، لا سيما إظهار أن الجيل الجديد جاهز لمواجهة أميركا وإسرائيل والتصدّي لهما، لكن بعض الفنانين بمن فيهم صانعو "في ظلال السرو" يتطرقون إلى الحرب من زاوية أخرى، ويظهرون أنه على رغم مضيّ 35 عاماً على انتهاء الحرب بين إيران والعراق، لا تزال تداعياتها وآثارها غير الملائمة مستمرة، لذلك يجب دائماً تحاشي الحرب.
واللافت أن صانعي هذا "الأنيميشن" وهما حسين ملايمي البالغ من العمر 43 عاماً وشيرين سوهاني البالغة من العمر 37 عاماً، وهما زوج وزوجة، أبصر كلاهما النور في السنوات التي كانت إيران تخوض فيها حرباً مع العراق.
وفي ما يخص فحوى "في ظلال السرو"، هو يتناول حياة فتاة وأبيها يعيشان معاً في بيت متواضع على شاطئ الخليج الفارسي. والأب عمل قبطان سفينة إبان الحرب بين إيران والعراق، ويعاني من اضطرابات نفسية شديدة في الذود عن الوطن، وفقد زوجته. وتنتاب القبطان العجوز، بين الفينة والفينة، نوبات عصبية ناجمة عن اضطراب ما بعد الصدمة، فيما تسعى ابنته للعناية به، وهذه المشكلة أدّت إلى برودة في العلاقة بين الأب وابنته، حتى إن الابنة تنوي ترك والدها، لكن في هذا اليوم بالذات، حصل أن جنح حوت على الساحل، وتغيّر بالتالي كل شيء.
ويُظهر "في ظلال السرو" كيف أن المشاكل التي تخلفها الحرب، تلحق أضراراً بالعوائل، حتى في سنوات ما بعد انتهاء الحرب. ويُظهر كذلك أن الجروح النفسية قادرة على التأثير سلباً على علاقة مثل علاقة الأب والابن، ويحثّ المتلقي على التفكير مليّاً في الأضرار الناتجة من الحرب وضرورة الحدّ من نشوبها. إن تزامن صنع هذا "الأنيميشن" ذي الـ20 دقيقة، مع كارثة حرب الـ15شهراً في غزة التي أدّت إلى مقتل نحو 60 ألف إنسان بريء، كان له أثر في تصويت محكمي الأوسكار لمصلحة هذا العمل الإيراني، لأن العديد من علماء الاجتماع وعلماء النفس، يرون أن تداعيات الحرب في غزة، شأنها شأن باقي الحروب، ستظلّ باقية لعشرات السنين.
وربما لهذا السبب، تمكن "في ظلال السرو" من تحقيق هذا النجاح الباهر في منافسة محتدمة مع أعمال مهمة من فرنسا واليابان.
وبعد إعلان فوز هذا الوثائقي بالأوسكار، اعتبرت بعض وسائل الإعلام التابعة لنظام الحكم، أن موقع قوة هذا العمل أي مضمونه المناهض للحرب، يمثل مكمن ضعفه، وانتقدت مركز التنشئة الفكرية للأطفال والأحداث التابع لوزارة التربية والتعليم الذي موّل العمل، لكن معظم الناقدين أعربوا عن ارتياحهم إلى النجاح الذي حققه هذا العمل، وأثنوا على فحواه. على سبيل المثال، كتبت ناقدة الرسوم المتحركة راضية كاظم زاده إيرانشهر تقول:
"من وجهة نظر معارضي هذا العمل، كأن عرض حقيقة الحرب يُعدّ جرماً! فيما تاريخ الفن حافل بالروايات التي تعكس جروح الحرب في منظور ضحاياها. والمشكلة تكمن في أن هذه الفئة من الناقدين تبحث عن الحقائق، لا في التجارب الإنسانية، بل في الروايات الرسمية والنمطية، وأيّ عمل يتجاوز هذه الأطر، يمثل خطراً بالنسبة إليها. إن التهم التي توجّه لهذا الأنيميشن، ليست سوى محاولة لتمويه الواقع. ألا يحق للناس الذين عاشوا لسنوات مع ذكريات الموت والعنف، أن تكون لهم روايتهم؟".
وتتساءل: "مِمّ يتخوّف هؤلاء الناقدون؟ من أن يرى العالم أن إيران ليست ذلك الشيء الذي يُعرض في التقارير الرسمية؟ من أن الروايات المستقلة وذات المصداقية، تزيح الستار عن الوجه الحقيقي للحرب؟ من أن يصبح الفن، اللسان الناطق للمجروحين، ولا يمكن إرغامهم على التزام الصمت؟".