ايران 06-03-2025 | 01:59

إيران: احتجاجات محتملة وأدوار "الباسيج"

في الآونة الأخيرة، شهدت إيران تصاعداً ملحوظاً في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام

لوسيان شهوان

المصدر: النهار

عناصر من الباسيج يشاركون في تظاهرة مناهضة لإسرائيل في طهران. (ا ف ب)

في الآونة الأخيرة، شهدت إيران تصاعداً ملحوظاً في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، إذ خرجت شرائح مختلفة من المجتمع للتعبير عن استيائها من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية. في الأول من آذار/مارس 2025، نظّم ممرضو مستشفى جمران في أصفهان احتجاجاً ضد تدني الأجور وتدهور ظروف العمل، مرددين شعارات تطالب بحقوقهم المشروعة. وفي 25 شباط/فبراير، شهدت مدن إيرانية عدة احتجاجات عمالية واسعة النطاق، فنظّم عمال شركة سايبا في كاشان وقفة احتجاجية للمطالبة بزيادة الأجور وتحقيق العدالة في تصنيف الوظائف، بينما تجمّع متقاعدو قطاع النفط في الأهواز أمام المكاتب الحكومية للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة، مرددين شعارات ضد تهاون الحكومة في تلبية مطالبهم.

في خضم الاحتجاجات، يبرز دور "الباسيج" كأداة رئيسية للنظام في قمع المعارضة وإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير. "الباسيج"، أو "قوات تعبئة المستضعفين"، هي قوة شبه عسكرية تأسست عام 1979 بأمر من المرشد الأعلى آنذاك آية الله الخميني، بهدف حماية النظام الإسلامي الجديد من التهديدات الداخلية والخارجية. تتكون هذه القوة من متطوعين، رجالاً ونساءً، يتم تنظيمهم في وحدات مختلفة تشمل الطلاب، العمال، القبائل، النساء، وحتى الإدارات الحكومية. خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، لعب "الباسيج" دوراً حاسماً في العمليات العسكرية، حيث تم استخدامه في الخطوط الأمامية وفي مهام انتحارية لزرع الألغام البشرية ضد القوات العراقية.

بعد انتهاء الحرب، تحوّل "الباسيج" إلى أداة قمع داخلية، إذ استخدمه النظام لقمع الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة له. في عام 2009، خلال الحركة الخضراء، تورّط الباسيج في قمع المتظاهرين بوحشية، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. كما لعب دوراً في قمع احتجاجات 2017-2018 و2019-2020، مستخدماً العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات.

بعد كل ما مرّت به حركات الاحتجاج في إيران، من الطبيعي الاعتبار أنّ نجاح أي احتجاجات مستقبلية يرتبط بإبعاد تأثير "الباسيج" عنها، وقد يعمل المتظاهرون إلى تكثيف الاحتجاجات السلمية والعصيان المدني الذي يمكن أن يضعف شرعية "الباسيج"، خاصة إذا استطاعوا توثيق انتهاكاته ونشرها على نطاق واسع. فالامتناع عن التعاون مع "الباسيج" في الجامعات، وأماكن العمل، والمجتمع، يمكن أن يحدّ من نفوذه، بالإضافة الى استمرار نشر تقارير موثقة عن ممارساته ضد المدنيين، ما يمكن أن يزيد من الضغط الداخلي والخارجي على النظام.

إنّ تحييد نفوذ "الباسيج" في الجامعات أمر مهمّ بالنسبة للمعارضة عبر تعزيزها الحركات الطلابية المستقلّة التي تعارض سيطرته على المؤسسات التعليمية. يرافق ذلك ضغط داخل المؤسسات الحكومية لتشجيع الموظفين على رفض سيطرة "الباسيج" على الوزارات والإدارات العامّة، مع تشجيع الانشقاقات بين أعضاء "الباسيج"، خاصة الفئات غير المتشدّدة، لإضعاف ولائهم للنظام.

التحدّي الأكبر أمام المعارضة في مواجهة آلة القمع هذه يكمن في السعي الدائم إلى تفكيك سيطرتها الأمنية من خلال حملات إلكترونية ضد أنظمة "الباسيج" التي قد تعطّل مواقعهم ومنصاتهم الدعائية بعمليّات إلكترونية، الأمر الذي قد يعطّل قدرتهم على التنسيق. وقد سبق أن حصل ذلك عامي 2023 و2024 مثلاً مع الموقع الرسمي للبرلمان الإيراني ومواقع تابعة لوزارة الخارجية الإيرانية.

يُجمع عدّة مراقبين على أن الرهان الأكبر في الحدّ من قدرات "الباسيج" يبقى في استمرار وتكثيف الدعم الخارجي للمعارضة الإيرانية، عبر تقديم دعم لوجستي وسياسي لها في الداخل والخارج. بالإضافة إلى تعزيز دور الإعلام الحرّ بتمويل ودعم القنوات والمنصات التي تكشف ارتكابات الباسيج. كما أن دعم التكنولوجيا المضادة للرقابة لتوفير أدوات لتخطي حجب الإنترنت يساهم في فضح الباسيج ونشر المعلومات بشأن انتهاكاته.

بالنسبة لكثيرين فإن نجاح حركات الاحتجاج مرتبط بفرملة عمل الباسيج، الأمر الذي يتطلب حراكاً داخلياً قوياً مدعوماً بضغط دوليّ مستمر، مع التركيز على إمكانية عزل هذه المؤسسة أيديولوجياً، مالياً، وأمنياً.