استقالة ظريف... ما هي تداعياتها على إيران؟

 عندما كرّس محمد جواد ظريف جهده في الحملة الانتخابية لمسعود بزشكيان من أجل فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، أبدى معارضوه تخوفهم من أن يشغل موقعاً ومنصباً في حكومة الرئيس بزشكيان يضطلع من خلاله بدور مؤثر في تحسين العلاقات مع الغرب، وخصوصاً مع الولايات المتحدة، وبالتحديد على غرار الدور الذي قام به عندما كان وزيراً للخارجية في الفترة من 2013 إلى 2020 وتجاوز حينها الكثير من الخطوط الحمر الإيرانية في ما خص العلاقة مع واشنطن. فهو عقد لقاءات مع وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري وتوصل معه إلى اتفاقات، حتى أنه تمشّى معه في شوارع جنيف أمام عدسات كاميرات وسائل الإعلام.

لذلك، منذ أن عُيّن ظريف مساعداً استراتيجياً للرئيس بزشكيان، بدأ معارضوه بشن حملات إعلامية ضده، واستخدم عدد من معارضيه العنيدين في البرلمان، ولادة أبنائه في أميركا ذريعة مستندين إلى قانون في هذا الشأن ليطالبوا بتنحيته أو استقالته. ورغم كل هذه الضغوط، لم يكن ظريف وبزشكيان جاهزين للتراجع لسبب واحد، ألا وهو أن المحادثات مع الولايات المتحدة كانت مُدرجة على جدول الأعمال بعد عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة.

إن ظريف بصفته أشهر ديبلوماسي إيراني وأكثرهم خبرة عُين أصلاً لهذا الغرض في إدارة بزشكيان، ليتولى إدارة المحادثات المحتملة مع واشنطن وتوجيهها. لكن بعد الموقف الرسمي الذي اتخذة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بمنع المحادثات مع إدارة ترامب، وتأييد الرئيس بزشكيان لهذا الموقف، بخاصة في جلسة استجواب وزير الاقتصاد في البرلمان، لم يعد ثمة سبب وجيه لبقاء ظريف في الحكومة، وبناء على ذلك، نشر ظريف الأحد نصاً في الفضاء الافتراضي، أشار فيه إلى لقائه رئيس السلطة القضائية الإيرانية، وقال إنه استقال وتنحى عن منصبه كمساعد استراتيجي لرئيس الجمهورية.

ووجه معارضو حكومة بزشكيان، يوم 3 آذار/مارس ضربتين قويتين الى هذه الحكومة، أولاهما إقالة وزير الاقتصاد والثانية إنجاح ضغوطهم التي مارسوها لاستقالة ظريف. واللافت أن هذين الحدثين، على علاقة بالسياسة الخارجية لإيران ومسألة العلاقات مع الولايات المتحدة. فقد أُقيل وزير الاقتصاد على خلفية توجهه الداعي إلى الانخراط مع الغرب لتحسين الواقع الاقتصادي، فيما استقال ظريف بسبب خروج موضوع المحادثات مع واشنطن من جدول الأعمال. 
ويذهب قسم وازن من الرأي العام ومحللون في إيران إلى أن مسعود بزشكيان يتراجع بعد ستة أشهر من الرئاسة، خطوة فخطوة عن مواقفه والوعود التي قطعها، وأن استقالة ظريف لا تمثل مؤشراً جيداً، لأن العديد من الإيرانيين الذين صوتوا لبزشكيان، كانوا يعتبرون مواكبة ظريف له في الانتخابات مؤشراً إلى التغير في طبيعة التعاطي مع العالم في الحكومة المقبلة والذي سيؤثر تأثيراً مباشراً على اقتصادهم ومعيشتهم وحياتهم، لكن الآن، وبعدما استقال ظريف، باتوا يرون أن آمالهم هذه قد تبددت. 
وفي ضوء هذه الظروف والأحداث، فان الأشهر المقبلة ستحظى بأهمية بالغة للجمهورية الاسلامية لأنه لم تبق أمامها مهلة في مجال السياسة الخارجية سوى ثلاثة أشهر. ففي حزيران/يونيو ستبدأ الإجراءات الإدارية لتفعيل آلية الزناد. وتسعى إسرائيل بقوة لجعل أميركا تتخذ قرارات معادية لإيران، أي تكثيف العقوبات الاقتصادية، فضلاً عن عودة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، وحتى القيام بعمل عسكري محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية. 
وهي التهديدات التي كان محمد جواد ظريف قلقاً بشأنها أكثر من الآخرين وبذل جهوداً لأكثر من عشرة أعوام للحد منها، والآن باتت هذه التهديدات أكثر خطورة. ويبدو أن السلطات الإسرائيلية أصبحت مرتاحة إلى هذا التطور في إيران، أكثر من المعارضين السياسيين لظريف نفسه في الداخل الإيراني، لأن هذه السلطات ترى أن عقبة كبيرة أزيحت من طريقها في ما خص معاداتها لإيران.