اتفاقية التعاون بين طهران وموسكو رسالة لواشنطن
تخلل الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لروسيا في 17 كانون الثاني (يناير) الجاري، التوقيع على رابع اتفاقية شاملة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. وهذه الاتفاقية هي الثانية بين إيران ودولة أجنبية. ففي عام 2022، وقعت إيران والصين اتفاقاً للتعاون لـ 20 عاماً، وضمّت هذه الاتفاقية 47 مادة، وهي تمديد للاتفاقات المبرمة بين البلدين خلال الأعوام 1921 و1940 و2001. الاتفاقية الأخيرة تسري حتى عام 2045 وتشتمل على موافقة مبدئية للبلدين على إجراء التعاون العسكري والأمني والاستخباري والاقتصادي والعلمي والثقافي والقانوني.
الجانب العسكري والأمني للاتفاقية بارز جداً، إذ إن 14 من موادها خصصت لهذا الغرض بما في ذلك أن يلتزم البلدان، وفقاً للمادة الثالثة منها، عدم التعاون مع بلد ثالث إن شن عدواناً على أي منهما، لكن في الوقت ذاته لم تلتزم إيران وروسيا الدخول في حرب مشتركة ضد البلد الثالث، إذ يبدو أنهما أخذتا في الاعتبار في هذا الصدد، الاعتبارات الأمنية لأميركا وأوروبا، وخصوصاً الناتو، إذ إن روسيا تخوض في الوقت الحاضر حرباً مع أوكرانيا، بينما يتهم الغرب إيران بتقديم الدعم العسكري لروسيا، الأمر الذي تنفيه طهران.
إن توقيع الاتفاقية بين إيران وروسيا، قبل ثلاثة أيام على وجه التحديد من حفل تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، ينطوي على رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن من الأفضل للأخيرة أن تعتمد أسلوب التعاون والتوافق مع طهران وموسكو بدلاً من العقوبات والعداء ضدهما. ورغم أن أميركا تفرض في الوقت الحاضر، أقسى العقوبات على روسيا على خلفية الحرب الأوكرانية، ترسم العلاقة الشخصية الجيدة بين ترامب وبوتين آفاقاً أفضل للعلاقات بين واشنطن وموسكو على مدى السنوات الأربع المقبلة. ويبدو أن تحسين العلاقة هذه، يمكن أن ينسحب على إيران أيضاً، لأن ترامب بصفته رجل أعمال سياسياً، لا يرغب في خسارة السوق الكبيرة لإيران وروسيا في التجارة العالمية لأميركا.
بيد أن بعض الخبراء يذهب إلى أن روسيا حريصة على خفض العقوبات الأميركية عليها، لكنها لا تطمئن لتحسن العلاقات بين إيران وأميركا، وهي ترى أن توتر العلاقات بين إيران وأميركا يعود بالنفع والفائدة عليها.
والنقطة المهمة الأخرى هي أن ثمة تحديات كبيرة تعترض تنفيذ هذا الاتفاق. ويرى بعض الخبراء الإيرانيين أن روسيا لا يمكن التعويل عليها والثقة بها، وبدا من خلال بناء محطة بوشهر الذرية وبيع منظومتي صواريخ إس300 وإس400 والأهم عدم دعم حكومة بشار الأسد، أن موسكو تأخذ في الحسبان مصالحها القومية أثناء اتخاذ القرارات السياسية العامة، ولا تعير أهمية للتعاون مع باقي الدول بما فيها إيران. ولا ننسى أن التاريخ الطويل لتدخل الروس ونفوذهم في إيران منذ 200 عام مضى، وإبان الحكم القيصري، أثار تشاؤم الإيرانيين حيال الروس، وخصوصاً الحروب التي دارت رحاها بين الجانبين ما بين 1804 و1828 وأسفرت في النهاية عن انتزاع مساحات واسعة من إيران بما فيها جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. كما أن الإيرانيين لم ينسوا الدعم السوفياتي لصدام حسين إبان حرب الثماني سنوات مع بلادهم.
وفضلاً عن هذه القضايا التاريخية، فإن التبادل التجاري البالغ 4 مليارات بين إيران وروسيا، يظهر أن الفجوة التي تفصل الحقائق السائدة للعلاقات بين البلدين عن توقعات السلطات السياسية عميقة للغاية. وتقول سلطات البلدين أن حجم التبادل يجب أن يرقى إلى 10 أمثاله ويصل إلى 40 مليار دولار، لكن العقوبات الدولية المفروضة عليهما تشكل أكبر عقبة تحول دون تحقق هذه الأمنية. وهذا التحدي ينسحب على العلاقة بين إيران والصين أيضاً، بحيث أن حجم التبادل التجاري بينهما البالغ 15 مليار دولار، يمكن أن يصل إلى 50 مليار دولار سنوياً، لكن ثمة عقبة هنا اسمها أميركا. وعليه، يبدو أن السبيل لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول الشرقية، بما فيها الصين وروسيا، على علاقة بمعالجة العداء القائم في العلاقات بين إيران وأميركا. وبالتالي، كما أن أميركا غير قادرة على التغاضي عن سوقي إيران وروسيا على خلفية الخلافات السياسية والعسكرية، فإن ايران وروسيا، غير قادرتين على النهوض بالعلاقات في ما بينهما، خصوصاً في الحقل الاقتصادي، إلى أعلى المستويات، من دون مواكبة أوروبا وأميركا لذلك.
نبض