موجة برد تكشف التفاوت بين طموحات إيران ووضعها الداخلي

ايران 21-12-2024 | 06:10

موجة برد تكشف التفاوت بين طموحات إيران ووضعها الداخلي

ثاني أكبر دولة من حيث احتياطات الغاز  عاجزة عن مد شعبها بالطاقة المستدامة وسط ظروف مناخية قاسية. ما الحل لهذه الأزمة؟
موجة برد تكشف التفاوت بين طموحات إيران ووضعها الداخلي
حركة سير في وسط طهران أواسط الشهر الحالي (أ ب)
Smaller Bigger

قد تكون الأحوال الجوية الاستثنائية من بين أقل العوامل التي يفكر بها المراقبون عموماً لقياس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلد ما. لكن ما حصل في إيران مؤخراً يدفع المحللين بالضبط إلى مراجعة هذا الموضوع.

 

أدت موجة برد غير معتادة لمثل هذا الوقت من السنة إلى خفض درجات الحرارة بشكل قياسي، بخاصة في طهران وشمال البلاد. ووصلت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في نحو 480 من أصل 675 محطة للرصد الجوي في إيران.

 

في الأسبوع الماضي، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مواطنيه إلى خفض الحرارة في منازلهم بدرجتين مئويتين، للمساعدة في معالجة العجز في الطاقة. لكن موجة البرد دفعت نحو 18 محافظة في البلاد إلى الإغلاق القسري. مع ذلك، لم يستطع الإغلاق منع انقطاع الكهرباء في عدد من محطات الطاقة العاملة على الغاز. وفي الصيف الماضي أيضاً، تم خفض عدد ساعات العمل إلى النصف لأيام عدة، بسبب الحر الشديد.

 

من سوء الإدارة إلى الجغرافيا

معاناة إيران في إمداد مواطنيها بالكهرباء في ذروة الحر أو البرد لافت للنظر. ليس أن انقطاع الكهرباء أمر نادر في ظل الأحوال الجوية الاستثنائية. حتى الدول المتطورة تعاني من هكذا أزمات في ظل العواصف، لكن غالباً لأسباب أخرى ترتبط بانهيار شبكات الكهرباء بسبب الرياح الشديدة أو الجليد الذي يفرض عبئاً على الأعمدة وخطوط النقل. ما شهدته إيران في الآونة الأخيرة مختلف إلى حد بعيد. لا تستطيع البلاد مد محطاتها بالغاز لإبقائها في حالة تشغيل كاملة، بالرغم من أن البلاد تحتوي على ثاني أكبر احتياطات من الغاز حول العالم.

 

خبير الطاقة في "مجموعة أوراسيا" غريغوري برو لفت إلى أن الاستهلاك الإيراني للطاقة ارتفع في السنوات القليلة الماضية بدون زيادة في الإنتاج. وأضاف في حديث إلى "إذاعة أوروبا الحرة" أن غالبية احتياطات الغاز تقع في الجنوب والجنوب الغربي وقبالة الشواطئ، مما يصعب نقلها إلى الشمال لتزويد الشبكة بالطاقة.

 

تحتاج إيران إلى الاستثمار والأموال في البنية التحتية المولدة للطاقة، لكن العقوبات وسوء الإدارة تمنعها من ذلك. وقد تشعر إيران بثقل أكبر للمشكلة في هذا الشتاء، إذا استمرت الظروف الجوية على هذه الحال. ففي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، شهدت البلاد أيضاً موجة برد قاسية نسبياً، وارتفع حينها استهلاك الطاقة إلى المستوى المعتاد لشهر كانون الأول (ديسمبر).

 

مخرج من الأزمة؟

ذكرت صحيفة "طهران تايمز" أن أجزاء كبيرة من البلاد عانت في الأسابيع الأخيرة من تقنين غير معلن للكهرباء، الأمر الذي عطل النشاطات الصناعية والشركات الصغيرة والقطاعات الشديدة الاستهلاك للطاقة. وأضافت أن انقطاع التيار الكهربائي أثار حالة من الإحباط العام ومخاوف من تأثير التداعيات الاقتصادية على المستشفيات والمدارس والأسر خلال الشتاء.

 

ومن الحلول التي اقترحتها الصحيفة التخفيف من الاعتماد على الغاز، وتنويع مصادر الطاقة وتوسيع استخدام الطاقة المتجددة. ويوافق خبراء آخرون على ضرورة اتباع هذا النهج الجديد. في تعليق لـ "النهار"، يرى الزميل الزائر البارز في جامعة جورج ميسون والخبير الاستراتيجي في شؤون الطاقة الدكتور أومود شكري أنه ولكي يتسنى استغلال الإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة في إيران على أكمل وجه، لا بد من اتخاذ خطوات حاسمة عدة:

 

"أولاً، يشكل رفع العقوبات الاقتصادية أهمية قصوى، لأن هذه القيود تحد بشدة من قدرة إيران على الوصول إلى التمويل الدولي والتكنولوجيا المتقدمة والخبرة اللازمة لمشاريع الطاقة المتجددة. ثانياً، من الممكن أن يعمل تحسين العلاقات مع الدول الغربية على تعزيز التعاون وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يوفر الموارد اللازمة لتحديث قطاع الطاقة في إيران. أخيراً، سيتطلب تسريع تطوير البنية الأساسية للطاقة المتجددة التخطيط الشامل الطويل الأجل الذي يتماشى مع الأولويات الوطنية واتجاهات الطاقة العالمية. وسوف تشكل الاستثمارات الاستراتيجية، إلى جانب أطر السياسات القوية، ضرورة أساسية لتحقيق أهداف الطاقة الطموحة ومواكبة التقدم الإقليمي".

 

والمشكلة الأخرى التي تواجه إيران في أزمة كهذه هو أنها تضطر للاعتماد على الفيول بدلاً من الغاز لتوليد الطاقة مما يساهم أكثر في تلويث الأجواء. ونجاح إيران، بحسب شكري، "يستند إلى قدرتها على تنويع اقتصادها والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. لن يعالج هذا التحول المخاوف البيئية فحسب، بل سيضع إيران أيضاً في موقف تنافسي في سوق الطاقة المتجددة العالمية المتوسعة بسرعة".

 

وأضاف أن "تحقيق هذه الرؤية يتطلب اتباع نهج متوازن يشمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومبادرات بناء القدرات، والجهود الديبلوماسية المستدامة لدمج إيران في النظام البيئي العالمي للطاقة النظيفة".

 

تركيز في مكان مختلف

في وقت اشتدت الحاجة إلى تمويل قطاع الطاقة إضافة إلى قطاعات حيوية أخرى، كانت الاستثمارات الإيرانية تتجه إلى رعاية توسعها الإقليمي. فهي دعمت وكلاءها بعشرات المليارات من الدولارات، وامتلكت تكنولوجيا التخصيب النووي المتقدم – والمخصص نظرياً لغرض التسليح بما أنه يفوق نسبة 20 في المئة – بينما لم تكن تملك التكنولوجيا اللازمة لتحديث شبكتها الكهربائية. حدث كل ذلك في وقت كان من المفترض أن يدخل "قانون دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفة والحجاب" حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي. هدفَ القانون إلى تفادي قيام استياء شعبي مستقبلي شبيه بالأحداث الذي شهدتها إيران بعد مقتل مهسا أميني في حجز للشرطة بسبب عدم ارتدائها الحجاب بطريقة لائقة في أيلول (سبتمبر) 2022. لكن السلطات علقت تطبيق القانون يوم الاثنين بسبب الغضب الذي أثاره.

 

ليس واضحاً ما إذا كان لتداعيات موجة البرد تأثير على قرار سحب القانون لمراجعته. لكن بالحد الأدنى، ليست الظروف الحالية مناسبة لتنفيذه. فيوم الأربعاء، انهارت قيمة الريال إلى مستوى قياسي جديد تدنى عن ذاك الذي بلغه عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.

 

ففي حين تدنى الريال إلى 703 آلاف مقابل الدولار، وصل الأربعاء إلى 777 ألفاً. للمقارنة، كانت قيمة الريال مقابل الدولار 584 ألفاً حين استلم بزشكيان منصبه في حزيران (يونيو) 2024، و32 ألفاً بعد التوقيع على الاتفاق النووي سنة 2015. وحتى الخميس، كانت أزمة انقطاع الكهرباء لا تزال ترخي بثقلها على الإيرانيين.

 

طيفه واضح

من غير المتوقع أن تتمكن إيران من تحديث بنيتها التحتية المرتبطة بالطاقة في أي وقت قريب، على الأقل، إن صحت تقديرات البعض. تقول نارسي قربان، خبيرة شؤون الطاقة في "معهد الشرق الأوسط"، إن إيران تحتاج إلى 250 مليار دولار لمعالجة القضايا المتعلقة بالنفط والغاز، وإلى 19 مليار دولار لتحديث قطاع الطاقة.

 

بحسب شكري، الخبير الاستراتيجي في قطاع الطاقة، يؤكد هذا التقدير "الحجم الهائل للموارد المالية المطلوبة لمثل هذا المسعى ــ وهي الموارد التي من غير المرجح أن تتحقق من دون الوصول إلى الأسواق الدولية والتكنولوجيا المتطورة والتعاون مع أصحاب المصلحة في مجال الطاقة العالمية".

 

مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تبدو إيران أبعد من أي وقت مضى عن جمع هذه الأموال... إلا إن كانت تستعد جدياً للجلوس معه إلى طاولة التفاوض.

 

الأكثر قراءة

اسرائيليات 11/11/2025 1:30:00 PM
يبحث الجيش الإسرائيلي عن بديل لتولي ملف الإعلام باللغة العربية...
الولايات المتحدة 11/11/2025 9:25:00 AM
وفقاً لتقرير للشرطة، عثرت والدة جوناثان ويليت على جثته مقطوعة الرأس.
لبنان 11/10/2025 11:53:00 PM
التحقيق جارٍ حالياً لاستكمال الإجراءات القانونية بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.
لبنان 11/11/2025 8:31:00 PM
 عثرت قوات حفظ السلام على صواريخ غير محروسة ونفقين قرب قرية شيحين في القطاع الغربي.