السياسة الأوروبية تفقد نساءها... انتكاسة للمساواة في ظلّ غياب تكافؤ الفرص

أوروبا 21-10-2025 | 23:09

السياسة الأوروبية تفقد نساءها... انتكاسة للمساواة في ظلّ غياب تكافؤ الفرص

من بين 21 رئيس دولة منتخب، هناك ثلاث نساء فقط في اليونان وسلوفينيا ومالطا.
السياسة الأوروبية تفقد نساءها... انتكاسة للمساواة في ظلّ غياب تكافؤ الفرص
ما هي أسباب تراجع تمثيل المرأة في المناصب السياسية الرئيسية في أوروبا؟
Smaller Bigger

تثير قضية تمثيل المرأة في المناصب السياسية الرئيسية اهتمام ألمانيا ومعها باقي الدول الأوروبية، في ظل تراجع مشاركتها ونشاطها الحزبي خلال الفترة الأخيرة. هذا الواقع دفع إلى إجراء مداولات تهدف إلى تغيير السياسات المتبعة وزيادة حضور النساء لما يشكله ذلك من قيمة مضافة، سواء داخل البرلمانات أو في حكومات بلدانهن أو على مستوى الاتحاد الأوروبي. فإلى أي مدى بلغ هذا التراجع؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكن معالجة الخلل لضمان مشاركة نسائية أكثر فاعلية؟

انتكاسة للمساواة
خلال فعالية نظّمتها شبكة السياسات المحلية في الحزب المسيحي الديموقراطي في برلين، أعرب المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن استيائه من ضعف تمثيل المرأة في المراكز السياسية الرئيسية، مشيراً إلى أن الخلل يبدو أكثر وضوحاً في برلمانات الولايات، ومشدداً على أهمية دعمها لزيادة حضورها السياسي. هذا الموقف أيدته زميلته في الحزب، رئيسة البوندستاغ جوليا كلوكنر، التي شجعت على ترشيح المزيد من النساء في الدوائر الانتخابية "الآمنة"، أي تلك التي تتمتع بفرص نجاح مرتفعة، مؤكدة أن العامل الحاسم هو ما إذا كانت النساء في جميع مناحي الحياة يتمتعن فعلاً بفرص ممارسة ولايتهن السياسية.

 

وكان مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا قد أفاد بأن المرأة لا تزال ممثلة تمثيلاً ناقصاً في الحياة السياسية. ففي البوندستاغ تبلغ نسبة النساء 32.4% فقط، ووفقاً لتصنيف الاتحاد البرلماني الدولي، تحتل ألمانيا المرتبة 58 عالمياً، وهو ترتيب متدنٍّ نسبياً بالمقارنة الدولية، علماً أن نسبة النساء بين السكان البالغين من حاملي الجنسية الألمانية تبلغ 51.6%.

 

كذلك، أظهرت دراسة إحصائية نُشرت في الفصل الثاني من عام 2025 أن نسبة النساء في المناصب السياسية العليا في دول الاتحاد الأوروبي تراجعت عموماً مقارنة بالعام الماضي. ومن بين 21 رئيس دولة منتخباً، هناك ثلاث نساء فقط في اليونان وسلوفينيا ومالطا. أما عدد رئيسات الحكومات في الاتحاد الأوروبي فانخفض من خمس إلى ثلاث، في كل من الدنمارك وإيطاليا ولاتفيا، أي من 18.5% إلى 11.1%.

الالتزامات الطوعية غير كافية
وحيال أسباب تراجع حضور النساء، والاستراتيجيات الممكنة لتعزيز مشاركتهن السياسية، تشير الباحثة في علم الاجتماع السياسي سيلفي فون غلاين، في حديث مع "النهار"، إلى أن معظم الأحزاب يقودها رجال، وغالباً ما يُفضَّل تزكية الرجل على المرأة في الترشيحات والمسؤوليات، ما يؤدي لاحقاً إلى اختيار المرشحين للمناصب السياسية من الذكور.

 

وتضيف أن النساء، حتى عندما يقررن خوض غمار السياسة مستقلات، يواجهن عقبة التمويل الانتخابي، ما يقلل فرصهن في الفوز. وتوضح أن هذا التردد في المشاركة الفاعلة يرتبط أيضاً بالصراع الدائم بين متطلبات رعاية الأطفال والوظيفة، أي الدور المزدوج الذي تتحمله المرأة، ما يجعل من الصعب عليها التفرغ للعمل الحزبي أو التطوعي.
وتشدد فون غلاين على أهمية تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين، مؤكدة أن النساء أثبتن كفاءتهن في القيادة، كما ظهر خلال أزمة كورونا حين أدارت نساء مثل جاسيندا أرديرن في نيوزيلندا وسانا مارين في فنلندا الأزمة بفاعلية وحكمة، حتى قيل آنذاك إن "العالم أصبح أكثر أنوثة".

 

رئيسة وزراء نيوزيلاندا السابقة جاسيندا أرديرن. (وكالات)
رئيسة وزراء نيوزيلاندا السابقة جاسيندا أرديرن. (وكالات)

 

وتقترح الباحثة اعتماد لوائح حزبية داخلية ملزمة ضمن أطر واضحة، إذ يمكن من خلال أنظمة الحصص تحقيق تغيير ملموس. وتشير إلى أن النساء استطعن فرض أنفسهن داخل برلمانات وحكومات دول مثل السويد وفنلندا وآيسلندا وفرنسا، داعية في الوقت ذاته إلى تكريس استثناءات في قانون العمل لمصلحة المرأة العاملة المتزوجة، كخفض عدد ساعات العمل أو اعتماد مرونة العمل من المنزل، بالنظر إلى مسؤولياتها العائلية.

 

وتؤكد فون غلاين أن غياب النساء عن البرلمان له انعكاسات مباشرة على قضايا المساواة في الحقوق، والحماية من العنف، والهياكل الداعمة للأسرة، والفجوة في الأجور بين الجنسين، وتختم بالقول: "من يريد المساواة فعلاً عليه أن يكرّسها في القانون، لأن الالتزامات الطوعية لا تكفي".


صدق المرأة وانفتاحها
ورأى عدد من الخبراء، بينهم أستاذ الدراسات الأوروبية تيموثي غارتون آش، أن القادة الرجال غالباً ما يركّزون على استعراض إدارتهم للأزمات والحروب، فيما تتعامل النساء في مواقع السلطة مع الملفات بجدية ومهارة وحسٍّ عالٍ بالمسؤولية. وأوضح في حديث سابق لصحيفة "فرانكفورتر روندشاو" أن النساء يتميزن بصفات مشتركة كالصدق والانفتاح والتعاطف، ويدرن الأزمات بكثير من الحنكة والهدوء، بعيداً من الضوضاء والشعبوية، وقد برهنّ على صلابة واضحة في أوقات الشدائد، في مقابل ضعف أظهره بعض القادة الرجال.

 

ويرى مطلعون أن من الأجدى أن تبدأ المرأة بالانخراط في العمل البلدي لتعزيز ثقتها بنفسها، إذ إن زيادة أعداد المشاركات في العمل التطوعي ستنعكس لاحقاً على ارتفاع نسب انتخابهن إلى مناصب قيادية. غير أن ذلك، بحسبهم، يتطلب تهيئة الظروف المناسبة، فلا يمكن توقّع أن تعمل المرأة بدوام كامل وتدير شؤون منزلها وتربي أطفالها ثم تُلام على قلة انخراطها السياسي.

 

وفي الختام، تشير آراء عديدة إلى أن أوروبا تواجه في الوقت نفسه تحديات كبرى، أبرزها الاستجابة لتغير المناخ، وإعادة التفكير في العولمة، وإدارة الثورة الرقمية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى تكريس دور المرأة في هذه المسارات، لأن المجتمعات الحرة والمنفتحة تحتاج إلى طريقة جديدة في التفكير ونموذج قيادي مختلف، ينطلق من قناعة أساسية: ليس الرجال وحدهم الأقوياء.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/22/2025 3:51:00 PM
لا يمكن اعتبار هذا التراجع "انهيارًا" أو حتى "تصحيحًا"، نظرًا لارتفاع الأسعار الكبير. لا تزال المعادن تحقق أرباحًا جيدة هذا العام، حتى بعد التراجعات الأخيرة
لبنان 10/20/2025 8:03:00 PM
تتشكل هذه السحب العدسية عادة على ارتفاع يتراوح بين 2000 و5000 متر فوق سطح البحر، عندما يتدفق هواء رطب ومستقر فوق الجبال
لبنان 10/22/2025 7:56:00 AM
صحيفة "جيروزاليم بوست": الطريق إلى النزع الكامل لسلاح حزب الله لا يزال طويلاً