فلاديمير بوتين... أحد الخاسرين من اتفاق غزة؟
من الطبيعي أن تتحول حماسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشرق أوسطية إلى حماسة شرق أوروبية. إذا كان الرئيس الأميركي قادراً على وقف الحرب بين إسرائيل و"حماس" فسيكون قادراً على وقف حرب مستعصية أخرى بين روسيا وأوكرانيا. هذا هو التسلسل الطبيعي للأمور على الأقل. كل ما عليه فعله، في جانب معين ومع أخذ الفوارق الموضوعية بالاعتبار، هو زيادة قدرات كييف، كما فعل مع تل أبيب، لزيادة الضغط على روسيا. بعدها، وبسبب زيادة الدعم، يطلب ترامب من حلفائه القبول بالتسوية كردّ جميل.
الميدان
قال ترامب إن روسيا تعاني ميدانياً وتخسر آلاف الجنود أسبوعياً. يضاف إلى ذلك ضعف الاقتصاد الروسي وتباطؤ إمدادات الوقود الداخلية بسبب الاستهداف الأوكراني لمحطات التكرير الروسية. بذلك، لا يتبقى أمام الولايات المتحدة سوى تصعيد بعض الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي تجبر روسيا على التفاوض.
عملياً، بدأت واشنطن بتطبيق هذه الضغوط بحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، إذ إن الإدارة مدت أوكرانيا بمعلومات استخبارية لضرب الأهداف النفطية مع تفادي الدفاعات الروسية. ونقلت عن مسؤول أميركي قوله إن أوكرانيا تختار الأهداف ثم توفر واشنطن المعلومات عن نقاط عطب المنشآت المحددة. الهامش كبير في تقدير الأضرار التي لحقت بإمكانات التكرير الروسية، لكن المعدلات الوسطى تشير إلى تعطل نحو 20 إلى 30 في المئة من تلك الإمكانات. تخضع هذه المصافي للإصلاح، لكن حين تتعرض لأكثر من هجوم تخرج نهائياً من الخدمة بحسب بينديكت جورج، من "أرغوس ميديا" لاستخبارات سوق الطاقة.

علاوة على تقديم الاستخبارات، وفرض الرسوم الجمركية الثانوية على الهند لشرائها النفط الروسي، ثمة تفكير أميركي بمدّ أوكرانيا بصواريخ "توماهوك". سيكون الموضوع على جدول البحث حين يستقبل ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الجمعة في البيت الأبيض. ومجرد التلويح بتلك الورقة يعد ضغطاً إضافياً على روسيا، وهو الأول من نوعه منذ بدء الحرب سنة 2022.
نفوذ ترامب... محدود؟
بالرغم مما سبق، قد يملك الرئيس الأميركي نفوذاً أقل مما يتصور على طرفي الحرب. باتت أوكرانيا تصنّع اليوم نحو 40 في المئة من أسلحتها بينما تتقاسم كل من الولايات المتحدة وأوروبا النسبة الباقية بالتساوي تقريباً. وبالنسبة إلى أوكرانيا، تمثل صواريخ "توماهوك" ميزة إضافية لمجهودها الحربي، لكن على الأرجح، فقط بسبب دقتها. لقد طورت كييف صواريخ "فلامينغو إف.بي-5" الخاصة بها والتي تتمتع بمدى مماثل تقريباً، وبرأس متفجر يساوي نحو ضعف الرأس المتفجر للصواريخ الأميركية. لكن تشير التقديرات الأولية إلى ضعف نسبي في دقة الإصابة لدى الصواريخ الأوكرانية.
وبالنسبة إلى موسكو، باتت الحرب تتعلق بالمستقبل السياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لذلك، من غير المرجح أن يستجيب بوتين للضغوط، خلا بعض الإشارات الظاهرية الهادفة إلى شراء الوقت. والدليل على ذلك، مسودة القانون الجديدة التي تسمح لروسيا باستدعاء جنودها من الاحتياط في أوقات السلم، بهدف إرسالهم بشكل دوري إلى أوكرانيا. يسمح ذلك لروسيا باللجوء إلى احتياطي يبلغ نحو مليوني جندي، من دون إثارة مخاوف من تعبئة عامة. وتشن روسيا أيضاً حربها القاسية على قطاع الطاقة الأوكراني.
مع ذلك، وفي جميع الأحوال، من المرجح أن تشعر روسيا بضغط إضافي بعد وقف الحرب الإسرائيلية. بالفعل، قد يكون بوتين أحد الخاسرين من اتفاق غزة. السؤال الآن هو ما إذا كانت الخسارة كبيرة أو مجرد انتكاسة ظرفية.
بحسب سجله الحديث على الأقل، كان بوتين يعرف متى يخفف التصعيد مع ترامب في اللحظة المناسبة. يبدو الاتصال الهاتفي أمس بين الرئيسين استكمالاً للسجلّ نفسه.
نبض