تهديد متزايد يتطلب حلولاً سريعة... اختراق أجواء الناتو يكشف عن ثغرات في دفاعاته

تكشف توغلات الطائرات بدون طيار الروسية في أجواء دول الناتو وتحديداً في شرق وشمال أوروبا عن ثغرات في دفاعات الحلف، وتسلط الضوء على التحديات الجديدة التي تواجهه. وبينما يتسابق الحلف لتحديث قدراته، تزداد المخاوف من استغلال روسيا هذه الثغرات لزعزعة استقرار المنطقة باستخدام تكتيكات غير تقليدية.
أفادت وسائل اعلام أجنبية بأن روسيا خلال هذا التوغلات حصلت على معلومات استخباراتية مهمة للمستقبل، واختبرت وكشفت عن جاهزية حلف الناتو واستجابته لأي توغل وانتهاك.
ويرى بعض الخبراء أن الارتفاع الأخير في عمليات اختراق المجال الجوي لحلف الناتو هو محاولة من روسيا لرؤية كيفية رد فعله حتى تتمكن من استغلال أي انقسامات أو تردد. ويعتقد البعض أن روسيا تأمل في تحويل انتباه وموارد الناتو من دعم أوكرانيا إلى الدفاع عن أراضي الدول الاعضاء، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ومع ذلك، تُعتبر هذه التوغلات تذكيراً حاداً بمدى سهولة اندلاع أزمة في أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، واختبار لردود الفعل الأميركية، بينما تعمل روسيا على تسليح نفسها، وتنفق ما يقرب من 7 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
تهديدات غير تقليدية
كشفت الطائرات بدون طيار التي حلقت في مجال الناتو الجوي عن ثغرات في دفاعات التحالف الذي تم إنشاؤه لمواجهة النزاعات العسكرية التقليدية.
يواجه حلف الأطلسي، الذي تم إنشاؤه لمواجهة الدبابات والرؤوس الحربية السوفياتية، تهديدات جديدة ومختلفة بشكل متزايد، وهي تهديدات غير تقليدية تشمل التخريب والهجمات الإلكترونية والطائرات بدون طيار.
وقالت الدنمارك إنها تعرضت لـ"هجوم هجين" من قبل "جهة محترفة" بعد أن شوهدت طائرات بدون طيار فوق عدة مطارات، وهي المرة الثانية في أقل من أسبوع التي تعطل فيها طائرات بدون طيار حركة الطيران في الدولة الاسكندنافية. وقال وزير الدفاع الدنماركي: "لا نعرف من يقف وراء ذلك. لكن كل شيء يشير إلى أنه ممثل محترف، بالنظر إلى أن العملية منهجية وتستهدف العديد من المواقع في وقت واحد تقريباً".
وفي النروج، قالت أفينور، الشركة المشغلة لمطار برونويسوند، ليل الأحد إن "أنشطة" طيران مسيّر تم رصدها في أجواء المطار.
وكانت طائرات بدون طيار قد توغلت أخيراً أيضاً في أجواء بولندا وإستونيا ورومانيا.
أدت هذه الحوادث إلى إعادة التركيز على كيفية استجابة الحلف للطائرات بدون طيار والتهديدات غير التقليدية الأخرى، حيث يسارع الناتو الآن لاعتماد تقنيات جديدة يمكنها اكتشاف الطائرات بدون طيار من بعيد وتوفير دفاعات غير مكلفة، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
معضلة الناتو
ويمثل التصدي للتهديد الجديد معضلة للناتو. أظهرت الحرب في أوكرانيا أن الدفاع ضد هجمات الطائرات بدون طيار أمر صعب ومكلف. عادة ما تكون هذه المركبات الجوية صغيرة وتطير على ارتفاع منخفض بحيث لا يمكن للأنظمة العسكرية الحالية للرادار اكتشافها. الأسلحة التي قد يستخدمها المدافعون لإسقاط الطائرات بدون طيار، مثل صواريخ باتريوت المعترضة، تكلف أكثر بكثير من الطائرات بدون طيار.
منحت الحرب في أوكرانيا روسيا أكثر من ثلاث سنوات من الخبرة في الحرب متعددة الأبعاد التي تجمع بين الأنشطة الهجينة التي تهدف إلى تعطيل الحياة المدنية والنهج العسكري الذي يستخدم وابلًا من المدفعية والطائرات المسيرة الرخيصة والقابلة للاستهلاك لإرباك دفاعات العدو.
أما الناتو فواصل إلى حد كبير الاستعداد للتعامل مع نوع التهديدات التي أنشئ من أجلها: الصراعات الكبيرة التي تحسمها الأسلحة الكبيرة والقوات العسكرية. ولم تصبح حرب الطائرات المسيرة أولوية لأعضاء التحالف إلا أخيراً.
كشفت الاستجابة العسكرية للتوغلات عدة نقاط عن قدرة الحلف على التعامل مع هذا التهديد المتزايد على المدى الطويل.
توغل طائرات الدرون الروسية في أجواء بولندا كان تجربة رخيصة للغاية بالنسبة لموسكو. وقالت بولندا إن الطائرات من طراز "جربرا"، وتعتقد المخابرات الدفاعية الأوكرانية أن تكلفة إنتاج كل منها تبلغ نحو 10 آلاف دولار. في غضون ذلك، كانت طائرات الناتو التي انطلقت لمهاجمتها هي طائرات مقاتلة من طراز "اف 16" واف 35" تبلغ قيمتها ملايين الدولارات. كان ذلك استعراضاً فعالاً للقوة، ولكنه كلف على الأرجح عشرات الآلاف من الدولارات في الوقود والصيانة لمجرد الإقلاع، بحسب شبكة "سي إن إن".
وفي هذا الصدد، يشير الخبراء إلى وجود عدم توازن اقتصادي بين وسائط الهجوم والدفاع، وأشاروا إلى أن هذا النهج غير مستدام.
وبعد حرب أوكرانيا، أخذ الجميع في عين الاعتبار التهديد الذي تشكله الطائرات بدون طيار، لكن العديد من وزارات الدفاع في حلف الناتو بطيئة جداً في التكيف مع ذلك. حتى وزارة الحرب الأميركية تسابق الآن الزمن للتقدم في سباق التسلح بالطائرات بدون طيار ومضادات الطائرات بدون طيار.
مع ذلك، التحدي الأكبر هو الحجم: تقدر الاستخبارات الأوكرانية أن روسيا تنتج آلافاً من الطائرات شهرياً. وتدعو الشركات المصنّعات للذخيرة إلى زيادة الإنتاج لتوفير صواريخ رخيصة الثمن لمواجهة هذا الفيض وإيجاد توازن بين التكلفة والفعالية.
تقوم القوات الأميركية وقوات الناتو الأخرى حالياً باختبار تقنيات مضادة للطائرات بدون طيار لاستخدامها في ساحة المعركة، لكن الجهود ما زالت في بدايتها. ستستغرق حماية البنية التحتية المدنية من الطائرات بدون طيار وقتاً أطول وتكلفة أكبر بكثير.
تشير التوغلات المتكررة للطائرات الروسية بدون طيار إلى ضرورة ملحّة لإعادة تقييم استراتيجيات الناتو الدفاعية، وتطوير أنظمة سريعة وفعّالة لمواجهة تهديدات غير تقليدية، قبل أن تتحول هذه الثغرات إلى نقاط ضعف استراتيجية تهدد أمن أوروبا الجماعي.