ألمانيا تحت الضغط الأوروبي… الصراع على عقوبات إسرائيل يشتد

تصاعد السخط في أروقة بروكسل ضد حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة، وارتفعت وتيرة المطالبات بفرض عقوبات واسعة النطاق على تل أبيب، وهو ما ترفضه ألمانيا لأسباب سياسية واقتصادية وتاريخية، ما أوصل التوترات داخل قيادة الاتحاد الأوروبي إلى ذروتها. والسؤال: هل تخضع برلين، التي تعرقل بحجمها فرض العقوبات بسبب قواعد التصويت؟

انقسام داخلي
برزت اعتراضات داخل ألمانيا على رفض مقترحات بروكسل بتعليق الجانب التجاري من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تواصل انتهاك القانون الدولي والمادة الثانية من الاتفاقية. وفي هذا الإطار، ظهرت أصوات متزايدة داخل الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، تطالب بتغيير الموقف. وشدد المتحدث باسم السياسة الخارجية في الكتلة البرلمانية أديس أحمدوفيتش على أن برلين مطالَبة بتكييف مسارها أوروبياً وتمهيد الطريق لذلك.
أما السياسية عن حزب الخضر فرانسيسكا برانتنر، فرأت أن المناشدات لم تعد تنصف الوضع في غزة، داعية المستشار ووزير الخارجية إلى اختيار "الجانب الصحيح"، والوقوف إلى جانب القوى الساعية للسلام في إسرائيل وفلسطين.
وبينما تدعم عدة دول أوروبية هذا التوجه، قالت المنسقة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في حوار إعلامي، إنه إذا لم تكن ألمانيا ودول أخرى مستعدة للانضمام إلى إجراءات الاتحاد الأوروبي مثل العقوبات التجارية، فعليها أن تضع خططها الخاصة أو تقدم بدائل. وأكدت أن التكتل لا يزال ملتزماً بحل الدولتين، وسط قناعة بأن المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في الضفة يقوضون فرص قيام دولة فلسطينية.

قوات إسرائيلية منتشرة على الحدود مع قطاع غزة. (أ ف ب)

ألمانيا بيضة القبان
وفي انتظار معرفة ما إذا كانت مقترحات المفوضية بفرض عقوبات ضد إسرائيل ستحظى بالدعم اللازم، يوضح الباحث في الشأنين السياسي والاقتصادي يان مولر، لـ"النهار"، أن تهديد بروكسل بالعقوبات سياسي بالدرجة الأولى، إذ نادراً ما يعمد الاتحاد الأوروبي إلى تجميد الامتيازات التجارية بموجب اتفاقيات قائمة. لكن هذه المرة، يرتكز الموقف إلى مبدأ احترام حقوق الإنسان، إذ ترى بروكسل أن سياسة نتنياهو في غزة لم تعد تضمن ذلك.
ويضيف مولر أن المخطط يتضمن تعليق بعض الاتفاقيات التجارية، أي إجراءات تطاول التعامل مع الشريك التجاري الأهم لإسرائيل، الاتحاد الأوروبي، الذي يتقدم على الولايات المتحدة. ويوضح أن فرض العقوبات يتطلب موافقة أغلبية مؤهلة في بروكسل، أي 15 دولة على الأقل من أصل 27 تمثل 65% من سكان التكتل. ويشير إلى أن التجارب السابقة أظهرت الدور الحاسم لألمانيا، التي تنظر حالياً إلى هذه الإجراءات بتشكك ورفض، ما يجعل من شبه المستحيل تحقيق الأغلبية المؤهلة من دون دعمها أو تأييد إيطاليا، مع وجود تحفظات أيضاً من النمسا والمجر والتشيك وبلغاريا.

التأثيرات المحتملة
وبشأن التأثيرات المتوقعة للعقوبات، يشير مولر إلى أنها ستكون سلبية على إسرائيل رغم صعوبة تقدير حجم الضرر الاقتصادي بدقة. لكنها ستزيد من عزلتها الدولية، فيما ستتضرر قطاعات حيوية من اقتصادها. فحجم الواردات الإسرائيلية من أوروبا يزيد بأكثر من أربعة أضعاف مقارنة بالواردات من الولايات المتحدة، فيما تتجاوز الصادرات الأوروبية إلى إسرائيل تلك القادمة من أميركا.
ويتابع قائلاً إن "إسرائيل تواجه حالياً مشكلات في سلاسل التوريد، مع تقارير أمنية تفيد بأن الجيش بدأ يشعر بتداعيات حظر الأسلحة والمعدات من ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبريطانيا". ويُتوقع أن يتأثر قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يمثل 17% من الناتج المحلي وأكثر من نصف الصادرات، إذ شهد تراجعاً في الوظائف بمجال البحث والتطوير بنسبة 6% مقارنة بالعام الماضي، إلى جانب مغادرة عمال مهرة وتراجع التمويلات والمشاريع الناشئة.
وتفيد بيانات المفوضية الأوروبية أن حجم التبادل التجاري بين الاتحاد وإسرائيل بلغ العام الماضي 42.6 مليار يورو، وأن ثلث الصادرات الإسرائيلية يتجه إلى الأسواق الأوروبية. أما الخسائر المحتملة جراء الرسوم الجمركية الإضافية، فتقدّر بنحو 220 مليون يورو فقط، لكنها رغم محدوديتها تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية ثقيلة على تل أبيب.