عداء ترامب - خان يتجدد... هجوم الرئيس الجمهوري على عمدة لندن يعيد إلى الواجهة نظريات المؤامرة

عداء يعود إلى الواجهة بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي هاجم فيها عمدة لندن صادق خان خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء.
اتهم ترامب خان بأنه يريد إخضاع لندن للشريعة الإسلامية. وقال: "أنظر إلى لندن حيث لديكم عمدة سيئ، عمدة سيئ للغاية... لقد تغيرت كثيراً. الآن يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنكم في بلد مختلف، لا يمكنكم فعل ذلك".
وفيما لم يحدد ترامب من يقصد، ترددت صدى كلماته في نظرية مؤامرة تركز على خان ودينه الإسلامي، والتي طالما روّج لها اليمين المتطرف وارتبطت بتهديدات بالقتل ضده، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
أصبح خان، الذي يمثل حزب العمال البريطاني اليساري الوسطي، في عام 2016 أول مسلم يُنتخب عمدة لندن. ومنذ ذلك الحين، فاز في انتخابات عمدة لاحقة.
مناطق محظورة
تعيدنا تصريحات ترامب الى موضوع مثير للجدل في بريطانيا وهو مصطلح "نو غو زون" في لندن (no go zone).
وكان قد ادعى الوزير البريطاني السابق بول سكالي العام الماضي بأن أجزاء من لندن التي تضم أعداداً كبيرة من السكان المسلمين هي "مناطق محظورة"، ولكنه تراجع عن ذلك لاحقاً.
وقالت "الغارديان" في هذا الصدد إن تصريحه "سلط الضوء على الأسطورة المستمرة بأن هناك أحياء ومدناً في المملكة المتحدة غير آمنة للبيض". وأفادت بأن السياسيين اليمينيين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا روجوا لفكرة وجود مثل هذه المناطق التي يسيطر عليها المسلمون منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21. في البداية، كان ذلك مرتبطاً عادةً بادعاءات حول تشكيل الإسلام تهديداً وجودياً للحضارة الغربية البيضاء في أعقاب الهجمات الإرهابية الإسلامية. ولكن تم الاستشهاد بها لاحقاً في المخاوف بشأن تماسك المجتمع والمناقشات الأوسع نطاقاً حول الهجرة.
في عام 2013، ظهرت مجموعة تُعرف بـ"دوريات الشريعة" في شرق لندن، حيث قام أفرادها بمضايقة المارة بزعم فرض معايير إسلامية. وألقت الشرطة القبض على الأفراد المتورطين.
وتقول حكومة لندن على موقعها الالكتروني: "لا توجد مناطق دينية أو أي مناطق في لندن تعتبر مناطق محظورة على شرطتنا. تقوم الشرطة بعمل رائع في خدمة جميع مجتمعات لندن".
ومع ذلك، نشرت "الديلي ميل" تقريراً خاصاً أعلنت فيه أن "الأحياء المحظورة" في لندن تسجل أعلى معدلات الجرائم العنيفة والسرقات وجرائم المخدرات، وقالت إن هذه الأحياء تضم 5000 منطقة في العاصمة. وأفادت الصحيفة بأن الأرقام تظهر أن السرقات والاعتداءات قد وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عهد رئيس البلدية صادق خان.
عداء منذ عقد
إضافة إلى ذلك، مثلت تعليقات ترامب أحدث فصل في خصومة علنية طويلة الأمد بين الرجلين بدأت في عام 2015، عندما وصف خان تعهد ترامب في حملته الانتخابية بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة بأنه "مشين".
وفي مقال صحافي نُشر في "الغارديان" عشية زيارة ترامب الرسمية إلى بريطانيا الأسبوع الماضي، اتهم خان الرئيس الاميركي بـ "إشعال نيران السياسة اليمينية المتطرفة المثيرة للانقسام في جميع أنحاء العالم".
أثناء عودته إلى الولايات المتحدة، ادعى ترامب أنه طلب منع خان من حضور العشاء الرسمي الذي أقامه الملك تشارلز الثالث، مضيفاً: "لم أكن أحبه منذ فترة طويلة". وأضاف: "أعتقد أن عمدة لندن خان هو من بين أسوأ رؤساء البلديات في العالم... يقوم بعمل سيئ ومعدل الجريمة في لندن ارتفع بشكل كبير".
خلال زيارته إلى اسكتلندا في تموز/يوليو، وصف ترامب عمدة لندن بأنه "شخص بغيض" قام "بعمل سيئ".
وفي كلمة ألقاها في فعالية في مهرجان إدنبرة فرنج، رفض خان انتقادات ترامب ووصفها بأنها "لا تؤثر فيه". وأضاف أنه يشعر أحياناً وكأنه "في التاسعة من عمره مرة أخرى".
كما قال في برنامج "بوليتيكال بارتي" مع الكوميدي مات فورد: "شخص لديه آراء مثل آرائه عن السود، وعن النساء، وعن المثليين، وعن المسلمين، وعن المكسيكيين، يعتقد أنني بغيض".
وفي عام 2019، وصف ترامب عمدة لندن بـ"الفاشل البارد"، بعد أن سمح بوضع منطاد عملاق قابل للنفخ على شكل "طفل ترامب" بالتزامن مع الزيارة الرسمية للرئيس الأميركي في ذلك العام.
وفي عام 2016، تحدى ترامب صادق خان في اختبار الذكاء بعد أن قال إن آراء الرئيس حول الإسلام "جاهلة".
واشتبك الاثنان في أيار/مايو من العام الماضي عندما انتقد خان سخرية السياسي الأميركي من أن لندن "لم تعد معروفة" لأن المدينة "فتحت أبوابها للجهاد".
تصريحات ترامب تُغضب "العمال"
أثارت تصريحات ترامب غضب نواب حزب العمال البريطاني، ويواجه رئيس الوزراء كير ستارمر مطالبات من نواب الحزب بتوبيخ إدارة ترامب. ولكن ستارمر أشار مراراً إلى القدرة على تجنب أسوأ التعريفات الجمركية الأميركية كسبب لنهجه التصالحي والاسترضائي إلى حد كبير تجاه الرئيس الجمهوري، بحسب صحيفة "الغارديان".
وقالت النائبة روزينا ألين خان إن السفير الأميركي في بريطانيا يجب أن يُستدعى للمساءلة عن تصريحات الرئيس.
وقال متحدث باسم خان: "لن نكرم تعليقاته المروعة بالرد عليها. لندن هي أعظم مدينة في العالم، وهي أكثر أماناً من المدن الأميركية الكبرى، ونحن سعداء بالترحيب بالعدد القياسي من المواطنين الأميركيين الذين ينتقلون إلى هنا".
كما دافع وزير الصحة البريطاني ويس ستريتينغ عن خان، وكتب على "اكس": "صادق خان لا يحاول فرض الشريعة الإسلامية على لندن. إنه يدافع عن الاختلاف في الخلفيات والآراء، ويركز على تحسين وسائل النقل والهواء والشوارع والسلامة والخيارات والفرص".
تصريحات ترامب تعيد تسليط الضوء على خلاف يحمل طابعا دينيا سياسيا، وتفتح باباً واسعاً للنقاش حول الإسلاموفوبيا، وحرية التعبير، ومستقبل التعايش في المدن الغربية.