أطلق تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تموز/يوليو بأنه سيعترف بفلسطين، العنان لموجة من الاعترافات من أكثر من ست دول، بما في ذلك كندا وبريطانيا.

اقرأ أيضا: الاعترافات بفلسطين ودينامية وقف الحرب

وتعترف 147 دولة عضواً في الأمم المتحدة، بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، إلا أن قرار القوى الغربية، بما فيها فرنسا والمملكة المتحدة، العضوان في مجلس الأمن الدولي، يحمل دلالة رمزية، كما أنه مؤشر على تزايد عزلة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي رفضت إنهاء الحرب الدائرة منذ قرابة عامين على غزة.

وتضم فرنسا أكبر جاليات يهودية ومسلمة في أوروبا الغربية.

ماكرون (أ ف ب)

ولا شك بأن الأزمة الحالية التي تشهدها غزة لها تأثير كبير على قرار   رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وماكرون. ومع ذلك، فإن هذا القرار سلط الضوء على الأدوار الغامضة لكلا البلدين في منطقة كانا يتنافسان فيها في السابق على النفوذ.

صحيح أن نفوذ فرنسا المباشر في فلسطين كان أقل من نفوذ بريطانيا بعد معاهدة سايكس-بيكو، لكن تحركها نحو الاعتراف بدولة فلسطينية يمثل منعطفاً مصيرياً في علاقتها مع إسرائيل.

اقرأ أيضا: من وعد بلفور إلى الاعتراف بدولة فلسطينية... تفاصيل الانقلاب البريطاني

اتفاقية سايكس-بيكو هي المعاهدة السرية بين بريطانيا وفرنسا في عام 1916، والتي قسمت بموجبها القوى الاستعمارية الأوروبية أراضي بلاد الشام التابعة للسلطنة العثمانية المنهارة إلى مناطق خاضعة للسيطرة البريطانية والفرنسية.

ويستشهد المؤرخون باتفاقية سايكس-بيكو كاتفاقية بين القوى الإمبريالية الغربية قسمت المجتمعات في ما يعرف اليوم بإسرائيل ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية. بالنسبة للعديد من العرب، الذين يعتبرونها خيانة كبيرة، زرعت بذور الصراع في الشرق الأوسط.

من عام 1945 إلى عام 1967، كانت فرنسا أكبر داعم لإسرائيل في الغرب. ويعود جزء من ذلك إلى تجربتها المؤلمة مع الاستعمار. في عام 1954، واجهت فرنسا انتفاضة ضد الاستعمار في الجزائر، حيث كان القوميون مدعومين من الرئيس القومي المصري جمال عبد الناصر.

فرنسا التي كانت تنظر إلى إسرائيل على أنها حصن ضد عبد الناصر، تقرّبت منها، وزودتها بطائرات ميراج المقاتلة والتكنولوجيا النووية التي أصبحت أساس برنامجها النووي غير المعلن.

لكن في عام 1967، قبل أيام من شن إسرائيل هجوماً عسكرياً على مصر، فرض شارل ديغول، رئيس فرنسا آنذاك، حظراً على توريد الأسلحة إلى إسرائيل ووجه أنظاره إلى الدول العربية.

وقال جيرار أرو الذي شغل منصب سفير فرنسا في إسرائيل من 2003 إلى 2006 لـ"نيويورك تايمز": "ألقى هذا الموضوع بظلاله لفترة طويلة على العلاقات بين البلدين، شعرت دائماً بوجود شعور بعدم الثقة  بالفرنسيين".

من خلال دعمها لإسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، حلت الولايات المتحدة محل فرنسا كحليفها الأول. وأصبحت فرنسا أول دولة غربية تقيم علاقات وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الفلسطينيين على الصعيد الدولي ويقودها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وتسبب إعلان ديغول حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل على خلفية حرب عام 1967 في برود كبير في علاقات الطرفين، ودفع إسرائيل إلى الاستغناء عن طائرات ميراج الفرنسية والاعتماد حصرياً على الأسلحة الأميركية في العقود اللاحقة.

وبرغم عودة العلاقات التقليدية بين فرنسا وإسرائيل تحت حكم نيكولا ساركوزي وخلفه فرانسوا هولاند وحتى ماكرون الذي طالما دافع عن إسرائيل وأشاد بها في تصريحاته، فإن تطورات الحرب على غزة وضعت الرئيس الفرنسي في موقف حرج.

وفي هذا الصدد، أعلن الرئيس الفرنسي أن فرنسا ستعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية، وكشف خطة شاملة من ثلاث مراحل لمعالجة الأزمة:

- مرحلة الطوارئ: تشمل وقف إطلاق النار، الإفراج عن جميع الأسرى، وإعادة فتح الطرق الإنسانية لضمان الاستقرار في غزة.

- مرحلة إعادة الإعمار والحوكمة: بعد اليوم الأول، ستتركز الجهود على تنظيم حوكمة غزة من حيث الأمن وإعادة الإعمار، بما يضمن حياة كريمة لسكان القطاع.

- مرحلة الدولتين: العمل على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، كحل سياسي مستدام للنزاع الطويل الأمد.