من وعد بلفور إلى الاعتراف بدولة فلسطينية... تفاصيل الانقلاب البريطاني

رغم أن  الاعترفات المتلاحقة بدولة فلسطينية هي في المقام الأول رمزية – حيث إن الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي،  إلا أن قرار المملكة المتحدة يكتسب أهمية تاريخية لا يمكن إنكارها. لندن، الحليف التاريخي لإسرائيل، هي التي أصدرت وعد بلفور الشهير في 1917، الذي قدم دعماً حاسماً للحركة الصهيونية. في هذا النص، الذي وقعه آرثر بلفور، وزير الخارجية آنذاك، أعربت المملكة المتحدة عن تأييدها لـ"إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".

ونص الوعد، الموجه إلى اللورد والتر روتشيلد، أحد رموز الجالية اليهودية البريطانية، على أنه "لا ينبغي اتخاذ أي إجراء يضر بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة". لكن بالنسبة للفلسطينيين، الذين كانوا يمثلون في ذلك الوقت 90% من سكان فلسطين، كان انضمام لندن إلى المشروع الصهيوني بمثابة طعنة في الظهر.

للمزيد اضغط هنا: الاعتراف بدولة فلسطين... "النهار" في تغطية مباشرة لوقائع اجتماعات نيويورك

لطالما اعتبرت المملكة المتحدة أن الاعتراف بفلسطين لا يجب أن يتم إلا بعد انتهاء عملية السلام مع الإسرائيليين. لكن في نهاية تموز/يوليو، في مواجهة موجة القتل في غزة والمجاعة الناجمة عن الحصار المفروض على القطاع والسيطرة المتزايدة للمستوطنين اليهود على الضفة الغربية، شددت لندن لهجتها. على غرار باريس، تعهد رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطين إذا لم تحسن حكومة بنيامين نتنياهو الوضع الإنساني في غزة أو لم تقبل بوقف إطلاق النار.

وقال  ستارمر من داونينغ ستريت يوم الأحد: "نحن نعمل من أجل الحفاظ على إمكانية تحقيق السلام وحل الدولتين. منذ أكثر من 75 عاماً، اعترفنا بدولة إسرائيل كوطن للشعب اليهودي. واليوم، ننضم إلى أكثر من 150 دولة تعترف أيضاً بدولة فلسطينية. إنه التزام تجاه الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بأن مستقبلاً أفضل ممكن".

من جهته، قال حسام زملط، ممثل فلسطين في المملكة المتحدة، يوم الأحد: "هذا الاعتراف يعني الكثير، إنه خطوة في اتجاه السلام والعدالة. السؤال هو لماذا لم يتم ذلك من قبل".

في المقابل، وصف متحدث باسم حكومة نتنياهو الاعتراف الذي قررته لندن بأنه "سخيف" و"مكافأة للإرهاب".

يوم السبت، نقلت وسائل الإعلام البريطانية أيضاً رسالة موجهة إلى داونينغ ستريت من عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين اعتبروا القرار البريطاني "مؤسفاً"، معتبرين أنه "سيزيد بشكل كبير من صعوبة" استعادة أحبائهم.

اقرأ أيضا: للمرة الأولى... بريطانيا تُدرج دولة فلسطين في خرائطها الرسمية ‏‏(صور)‏

اليسار في حزب العمال، الذي ينتقد ستارمر منذ أشهر لدعمه المطلق لإسرائيل، يطالب الآن بأن يعترف بوجود إبادة جماعية في غزة. وترفض الحكومة ذلك، على الرغم من أن لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة قد خلصت مؤخراً إلى أن هناك "أسباباً معقولة للاستنتاج" أن الدولة الاسرائيلية ترتكب إبادة جماعية في غزة. 

ودعا ستارمر يوم الأحد حكومة نتنياهو إلى رفع القيود "غير المقبولة" على حدود غزة، ووضع حد لهذه "التكتيكات القاسية" والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية.

في أيلول/سبتمبر 2024، فرضت لندن حظراً جزئياً على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، لكنها واصلت توريد قطع غيار لمقاتلات "اف 35"، التي تستخدمها الدولة العبرية لقصف غزة. 

وصُدم العديد من النشطاء اليساريين البريطانيين بتجريم أنشطة جماعة "فلسطين أكشن"، التي صنفتها وزارة الداخلية البريطانية في تموز كمنظمة إرهابية، كما اعتقلت الشرطة البريطانية أكثر من 1,000 شخص مناصر للجماعة.

ستارمر (وكالات)

على غرار المملكة المتحدة، لم تنتظر كندا إعلان ماكرون لتعترف رسمياً بدولة فلسطين، حتى لو كانت أوتاوا قد استلهمت خطوة الإليزيه. في بيان صدر يوم الأحد، أعلن رئيس الوزراء مارك كارني رسمياً الالتزام الذي تعهد به في 30 تموز. وقال: "تتخذ الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل منهجي إجراءات لمنع إقامة دولة فلسطينية. وهي تواصل بلا هوادة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي". 

وأضاف كارني: "أدى عدوانها المستمر على غزة إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتشريد أكثر من مليون شخص، وتسبب في مجاعة مدمرة كان من الممكن تجنبها".