مسيّرات روسيّة في المجال الجوّي لحلف النّاتو: ماذا عن نقاط الضّعف والمخاطر وخيارات الرّدع؟

اخترقت الأسبوع الماضي ما لا يقلّ عن 19 طائرة روسية من دون طيار المجال الجوي البولندي، ثمّ فوق شرق رومانيا. هذا التعدّي أعاد إلى الواجهة الطبيعة العدوانية للحرب الهجينة، مع إسقاط عدد من الطائرات ضمن الأجواء البولندية والانتهاكات التي يتعرض لها الجناح الشرقي للحلف، ما دفع الأوروبيين إلى دق ناقوس الخطر لردع الأعمال المتهوّرة لروسيا، وتوسيع نطاق الإجراءات لصد أسراب مسيّراتها وسلسلة الاستفزازات ضد بلدانهم. فما هي نقاط ضعف دفاعات الناتو، وماذا عن التدابير المضادة لحماية المجال الجوي الأوروبي؟

تعامل غير كفء
وبحكم غياب دليل إلى أن هذه الطائرات حلّقت عن طريق الخطأ فوق الأراضي البولندية، رأى خبير الدفاع كريستيان مولينغ، في حديث مع "بايريشيه 24"، أن الأميركيين كانوا مستهدَفين من قبل النظام الروسي، وأن الحادثة لم تكن مصادفة. وأوضح أن رد فعل حلف الناتو أظهر أن التحالف ليس في وضع يسمح له "بالتعامل بكفاءة" مع مثل هذه الحوادث؛ بل اضطر إلى بذل "جهد هائل" واستخدام طائرات مقاتلة مسلّحة باهظة الثمن لمواجهة مسيرات رخيصة الثمن نسبياً.
وحثّ مولينغ دول الحلف على التحرك بسرعة ووضع برامج مشتريات لتسريع شراء الطائرات من دون طيار، وزيادة القدرات الصناعية في ظل التحديات التي تؤثر على التطوير، وسدّ الثغرات الدفاعية للقوات المسلحة، وأهمّها توسيع نطاق قدرات الدفاعات الجوية. من جهته، دعا النائب عن حزب الخضر نيكلاس فاغنر إلى توسيع أنظمة الدفاع الأرضي مثل "باتريوت" و"إيريس-تي" وأنظمة الرادار المتطوّرة، فضلاً عن إجراء تعديلات على أنظمة حواسيب التحكم في إطلاق النار. ومن المعلوم أن الناتو يمتلك آلية لتلبية الاحتياجات الفورية وشراء تقنيات جديدة أو أي متطلبات عاجلة في الأزمات.

جندي بولندي يلتقط صوراً لمروحية أباتشي تابعة للجيش الأميركي خلال تدريبات عسكرية لبولندا والناتو في أورزيسز. (أ ف ب)

نقاط ضعف ملموسة
أعرب خبراء ومسؤولون عسكريون عن قناعة بوجود مشكلات كبيرة في هذا المجال. فقد أفاد المفتش العام للجيش الألماني المنتهية ولايته ألفونس مايس بأن إحدى أكبر نقاط الضعف تكمن في مواجهة الطائرات المسيرة، ومن ثمّ ثَمّة حاجة لبناء نظام دفاع جوي للبوندسفير، وهو وضع لا يختلف كثيراً عن واقع القوات المسلحة في دول الناتو الأخرى.
وفي هذا الصدد، برزت معلومات تفيد بأن مقر القيادة الجوية المركزية لحلف الناتو في رامشتاين بولاية راينلاند بفالس الألمانية يخطط لمواصلة تطوير الدفاع الجوي ضد الطائرات من دون طيار، وأن المخطّطين العسكريين للحلف يدرسون خيارات عاجلة لتعزيز دفاعاتهم، بما في ذلك استخلاص المزيد من الدروس من تجارب العملية في أوكرانيا. وتتقاسم بولندا حدوداً يزيد طولها على 500 كيلومتر مع أوكرانيا.

ردود وتحذيرات دولية
كتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على منصة "تلغرام": "يعرف الجيش الروسي تماماً وجهة طائراته المسيرة ومدة تحليقها جواً. مساراتها دائماً محسوبة. لا يمكن أن يكون هذا مصادفة أو خطأً أو مبادرة من بعض القادة من المستوى الأدنى"، مؤكداً أن ما حصل فوق الأجواء البولندية يعدّ تصعيداً واضحاً من جانب روسيا ويتطلّب إجراءات وقائية من الغرب، ومناشداً الأوروبيين ألّا ينتظروا تراكم عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية لاتخاذ القرارات النهائية. بدوره، حذّر رئيس وزراء بولندا تروسك من أن بلاده أقرب إلى صراع مفتوح أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.

أبعاد جديدة للحادثة
وفي وقت أعلن القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا ألكسيس غرينكيفتش والأمين العام للناتو مارك روته، عن عملية أطلق عليها اسم "الحارس الشرقي" لنشر قدرات إضافية للمراقبة والدفاع الجوي من خلال جهود مشتركة، بينت تحليلات أن دخول سرب مسيرات روسي للأجواء البولندية يحمل أبعاداً جديدة. فقد كانت الطائرات المقاتلة التابعة للحلف المتمركزة في بولندا مخصّصة للمراقبة فقط، والآن وُضعت الدفاعات الجوية في حالة تأهب قصوى، مبرزين أن الدفاع عن الحدود الشرقية صعب للغاية، لا سيما أن اختراق الحدود الخارجية كان سهلاً، وأنه على امتداد نحو 1,200 كيلومتر من حدود بولندا الشرقية ثَمّة جيران ليسوا أعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الناتو، تحدها جيب كالينينغراد الروسي وبيلاروسيا الحليفة لموسكو، وبالتالي يسهل على الطائرات من دون طيار الوصول إلى أهداف في بولندا، إذ يمكن إطلاقها أيضاً من أراضي تلك الدول.

استراتيجية وخيارات حديثة
وعلى ضوء أن الحرب في أوكرانيا أظهرت بوضوح أن الهجمات بأعداد كبيرة من المسيرات تشكل تهديداً حقيقياً لأمن السكان في أوروبا، يشدّد الباحث في الشؤون الأوروبية توماس برغمان، في حديث مع "النهار"، على ضرورة أن يضع الأوروبيون استراتيجية مستقلة بمعزل عن تقلبات المواقف الأميركية، والاعتماد على خيارات عملية تمتلكها دولهم. ويذكر برغمان نظام "حصن السماء" الذي اختبره الناتو عام 2024 ولا تزال معداته مخزنة في إستونيا، مشيراً إلى أن من خصائص هذا النظام تزويده بشبكة من آلاف الميكروفونات التي تتيح تتبّع المسيرات الروسية وتحديد مواقع إطلاقها اعتماداً على بصمتها الصوتية.
كما يمكن استخدام أجهزة استشعار أخرى إضافية لتوفير صور مبكرة وأكثر دقة للطائرات المحتملة. علاوة على ذلك، طورت شركات أوروبية ناشئة عدة طائرات اعتراضية مثل "كروغر100" يمكن أن تساهم في تدمير مسيرات العدو جواً، منها تقنيات طورتها شركة الدفاع السويدية "نورديك إيرديفنس" المدعومة بالذكاء الاصطناعي وجهاز تتبّع بالأشعة تحت الحمراء، إلى جانب أجهزة التشويش القابلة للاستخدام تقنياً.

حاجة لأنظمة جيل جديد
من جهة أخرى، لفتت تعليقات إلى أن مكافحة التهديدات الجوية الروسية قد تستلزم استخدام أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، منها نظام "سكاي رينجر" الذي يمتلك الجيش الألماني نموذجاً تجريبياً منه ويعاد برمجته حالياً. ويعدّ هذا النظام مصمماً لمواجهة المسيرات، ويمتاز بكونه متحركاً ويُستخدم على مركبات قادرة على اكتشاف المسيرات والتعامل معها من غرفة تحكم باستخدام مدفع رشاش عيار 30 ملم، ومن المنتظر أن يدخل الخدمة أولاً ضمن قوات الناتو.