أوروبا بين "خداع" إيران وضغط الوقت… هل تفعّل آلية "سناب باك"؟
اختتمت المحادثات النووية بين ممثلي حكومات طهران وبرلين ولندن وباريس، الثلاثاء، في جنيف، من دون تحقيق أي تقدم يُذكر، بعدما كان الهدف من الاجتماع زيادة الضغط السياسي على القيادة الإيرانية لإقناعها بالتوصّل إلى اتفاق حل وسط ديبلوماسي بشأن النزاع النووي مع الغرب. وفي خضم التهديد الأوروبي بتفعيل آلية "سناب باك" التي تنص على إعادة فرض إجراءات عقابية صارمة ضد طهران، برزت مطالبات أوروبية بعدم السماح لها بكسب الوقت، وسط تحذيرات من خداع إيراني. فماذا عن الخشية من ضغط الوقت وغياب تأثير سلاح العقوبات؟ وما مدى مصلحة إيران في التعنت حيال ملفها النووي؟
شجاعة أوروبية
وفي ضوء السعي الأوروبي لتجنّب التصعيد، برزت تحليلات تشير إلى أن أفضل وسيلة للضغط على إيران حالياً ليست في يد الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل لدى ثلاث دول أوروبية، إذ يمكن لهذه المجموعة، بصفتها أطرافاً مشاركة في توقيع اتفاق فيينا النووي لعام 2015 إعادة فرض ما يُسمّى آلية "سناب باك"، وهي عقوبات الأمم المتحدة الشاملة على إيران، بحلول أيلول/أكتوبر على أبعد تقدير، إن لم يتم التوصل إلى نتيجة مرضية. وبإمكانها، ولو لمرة واحدة، إجبار الأمم المتحدة بأكملها على الخضوع لها إذا استجمعت الشجاعة السياسية اللازمة.
من جهة ثانية، بيّنت بعض الردود أنه في ظل التوترات في منطقة الشرق الأوسط، لا يريد النظام الإيراني تقديم أوراق اعتماد عند الأوروبيين. ومن المعروف أن الإيرانيين يجادلون بأنه لا أساس قانونياً لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، لأن الولايات المتحدة قد خرجت من التزاماتها، محذرين من ردّ قاسٍ في حال تفعيل آلية "سناب باك"، بما في ذلك التهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي التي تلزمهم بعدم تطوير أسلحة نووية، فضلاً عن مخاطر عدم الامتثال للعقوبات مجدداً.
وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان آلية "سناب باك"، ووصفها بأنها عقبة أمام بناء الثقة.
خشية من روسيا
وفي غمرة ما تقدم، اعتبر الباحث في الشؤون الأوروبية نيكلاس فسترمان، في حديث مع "النهار"، أن أوروبا تخشى من ضغط الوقت، والسبب في ذلك أن صلاحية إعادة فرض العقوبات تنتهي تلقائياً في 18 تشرين الأول المقبل. علاوة على ذلك، يريد الأوروبيون اتخاذ القرار خلال رئاسة كوريا الجنوبية لمجلس الأمن الدولي في أيلول، وقبل أن تتولى روسيا الرئاسة، التي قد تعمد إلى تأخير العملية.
ومن وجهة نظر فسترمان، لا تزال هناك فرصة ضئيلة للتوصّل إلى اتفاق، نظراً لأن الموعد النهائي المحدد بـ30 يوماً بعد احتمال تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات يتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ويمكن الاستفادة من محادثات رفيعة المستوى على هامش الاجتماع لتجنب التصعيد في النزاع حول البرنامج النووي الإيراني. ويشير إلى أن الإيرانيين يسعون، كعادتهم، لكسب الوقت في المفاوضات النووية على الرغم من الأزمات الاقتصادية وفي مجال الطاقة والجفاف والنقمة الداخلية في البلاد.
وذكرت "يورونيوز" أن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي المعيّن حديثاً علي لاريجاني يسعى لإقناع سلطات بلاده بخفض مستوى التخصيب من 60% إلى 20% لمنع المزيد من الهجمات الإسرائيلية والأميركية، إلا أنه يواجه معارضة من الحرس الثوري الإيراني.
وفي هذا الصدد أيضاً، رأى ميشائيل سباني، مدير منتدى الحرية في الشرق الأوسط ببرلين، أن من المهم جداً أن يظل الأوروبيون الآن أقوياء، لأنه إذا ما سمحوا لأنفسهم بالتعرض للخداع بتوقيع إيران على اتفاق جديد لا يتناول تصدير إيران للإرهاب والصواريخ الباليستية، فستستمر طهران في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وستزداد التهديدات الإسرائيلية مجدداً، وستحرم أوروبا من أقوى أدواتها للتأثير وهو سلاح العقوبات.
وكتب وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول على منصة "إكس": "لا نزال ملتزمين بالديبلوماسية، لكن الوقت ضيق للغاية. لقد أوضحنا أننا لن نسمح بانتهاء صلاحية عقوبات التفعيل ما لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم وقابل للتحقق"، فيما أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل باروفي في منشور أن "الوقت عامل حاسم".

جولة حرب تخدم إيران
وفيما تفيد المصادر بأن الأوروبي مستعد لمنح إيران تمديداً إن كان هناك أمل في حل ديبلوماسي للنزاع، رأى متابعون أنه إذا ما استطاعت إيران المناورة والعرقلة، فستقدم على تزخيم برنامجها النووي قانونياً، ولن يكون فرض عقوبات جديدة ممكناً بدون روسيا، الشريكة لإيران.
وفي ظل الترقب القائم، وفق خبراء عسكريين، فإن إيران ليس أمامها ما تخسره في ظل الضغوط التي تتعرض لها، ولكي تستعيد شيئاً من قوة ردعها، قد يكون من مصلحتها المواجهة بجولة حرب جديدة، والتفاوض تحت النار في سعي منها لتحسين وضعيتها وربما تأمين مخارج لرفع عقوبات الأمم المتحدة إذا أعادت أوروبا فرضها عليها، وكذلك احتفاظها، بعد مفاوضات مع الغرب، ولو بجزء قليل من برنامجها النووي لأغراض سلمية كما تعلن دائماً.
تجدر الإشارة إلى أن المصطلح التقني "سناب باك" أو "آلية الزناد" يعد جزءاً من الاتفاق النووي، ويشير إلى أن الأمم المتحدة ستضطر لإعادة تطبيق العقوبات المعلقة على إيران إذا أعلنت إحدى الدول الغربية عدم امتثالها للمبادئ التوجيهية الأصلية للاتفاق، ولا تستطيع الصين وروسيا منع ذلك. وتتيح "سناب باك" للدول الأطراف في اتفاق عام 2015 إدانة أي انتهاكات إيرانية لمجلس الأمن الدولي، ما يسمح بإعادة فرض جميع العقوبات من فترة ما قبل الاتفاق خلال 30 يوماً، دون أن يتمكن أي عضو آخر من استخدام حق النقض (الفيتو).
نبض