ميرتس وتقييد الأسلحة لإسرائيل: خطوة استراتيجية أم قرار منفرد؟

أوروبا 19-08-2025 | 06:00

ميرتس وتقييد الأسلحة لإسرائيل: خطوة استراتيجية أم قرار منفرد؟

ظهرت في الداخل الألماني تباينات حيال فرض حظر على أنواع من الأسلحة عن إسرائيل.
ميرتس وتقييد الأسلحة لإسرائيل: خطوة استراتيجية أم قرار منفرد؟
إعلان لمنظمة غير حكومية على لوحة رقمية بجوار جرافيتي "غزة جرة" في محطة ترام في برلين. (أ ف ب)
Smaller Bigger

ضجّ الوسط السياسي والإعلامي في ألمانيا قبل أيام بقرار المستشار الألماني فريدريش ميرتس فرض حظر جزئي فوري حتى إشعار آخر على صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، والتي قد تُستخدم في حرب غزة. القرار تسبب بموجة اعتراضات عارمة من سياسيين ينتمون إلى أطراف الائتلاف الحاكم، وصلت بالبعض إلى اعتبار خطوة ميرتس خروجاً عن السياسة الخارجية الألمانية حيال إسرائيل، واصفين تقييد شحنات الأسلحة بأنه خطأ سياسي واستراتيجي خطير. فهل يتسبب قرار المستشار بشرخ حكومي في وقت يتعنّت فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوجه مطالبات الحكومة الألمانية والمجتمع الدولي بعدم السيطرة على غزة بأكملها، وتسريع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة على نطاق شامل، لأن المعاناة الإنسانية هناك لم تعد تُطاق؟ وما تأثيرات ذلك على التعاون العسكري والأمني بين البلدين؟

خطأ استراتيجي فادح
على وقع الإحباط في برلين واضطرار المستشار الى قطع إجازته وإجراء حديث إعلامي أوضح فيه أنه ليس متأثراً بالضغط العام بقدر تأثره بصورته الشخصية وبمداولات مجلس الوزراء والمشاورات مع الخبراء المعنيين، ظهرت في الداخل الألماني تباينات حيال فرض حظر على أنواع من الأسلحة عن إسرائيل، بعد أن كانت برلين رفضت في أوقات سابقة قبول وقف تصدير الأسلحة إلى تل أبيب. فبين من اعتبر أن القرار اتُّخذ بشكل مشترك داخل الائتلاف، برزت مواقف معارضة من الشريك الأصغر في الاتحاد المسيحي، الحزب الاجتماعي المسيحي، الذي اعتبر أنه فوجئ بالأمر ولم يكن متورطاً في هذا القرار. وقال خبير السياسة الخارجية في الحزب البافاري شتيفان ماير إن على ألمانيا مراعاة الاعتبارات الموضوعية، وبخاصة عند الانخراط في السياسة الرمزية، مشدداً على أنه لا تزال هناك أسباب وجيهة جداً تفرض عدم تقييد تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
إلى ذلك، لم يتردد سياسيون من حزب ميرتس، وعلى غير العادة، في توجيه انتقادات لاذعة في هذا الصدد. إذ دان السياسي كارتن مولر القرار ووصفه بأنه "سوء تقدير ملحوظ". أما السياسي رودريش كيزهفتر فوصف القرار في تغريدة على منصة "إكس" بأنه خطأ سياسي واستراتيجي فادح، معتبراً أن ألمانيا "رضخت أمام حشد معادٍ للسامية في الشوارع يهدد حياة اليهود في ألمانيا"، وأن صدقية السياسة الألمانية تُقاس بدقة التعاون الأمني والتزام حماية حياة اليهود ودولة إسرائيل.
هذه المواقف الحادة استدعت تعليقاً من الزعيمة المشاركة في قيادة الاشتراكي باربل باس، إذ دافعت في مقابلة مع شبكة "إيه آر دي" الإخبارية عن المستشار ضد من يتهمونه بالخيانة، مشيرة إلى أنه مع دعم إسرائيل لا يجب أن ننسى أهل قطاع غزة، وهذا أيضاً مسؤولية على الحكومة الألمانية. فيما استغل حزب البديل اليميني الشعبوي الأمر، إذ اعتبر الرئيس المشارك تينو شروبالا، في مقابلة مع القناة الثانية "زد دي إف"، أنه في ضوء الاستياء بين شريكي الاتحاد المسيحي، فإن موقف ميرتس أضحى ضعيفاً، ولا يستطيع توحيد حكومته خلفه ولا خلف كتلة الاتحاد المنقسمة حالياً حول العديد من القضايا.
في المقابل، ذكّر رئيس وزراء ساكسونيا ميشائيل كريتشمر، الداعم لميرتس، بأن المستشار لطالما أكد على مبدأ التناسب، ومن الخطأ اعتبار هذه الخطوة على أنها انعدام للتضامن. فالتضامن والتناسب لا يتعارضان، بل هما جزء لا يتجزأ من بعضهما البعض، وأن مقتل آلاف الأشخاص أمر غير متناسب مع قرار مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي احتلال قطاع غزة بالكامل، وبالتالي بلوغ التصعيد مستوى جديداً لا يمكن أن يمر من دون عواقب.
وإزاء ما صدر من اعتراضات من الاجتماعي المسيحي، الشقيق الأصغر لحزب ميرتس المسيحي الديموقراطي، يقول الباحث السياسي كاي مورشلات، لـ"النهار"، إن الأمر لن يصل إلى حد القطيعة بين الطرفين، وجل ما في الأمر أن ميرتس قد يكون مطالباً بتفسيرات عن دوافع هكذا قرار وتوقيته في ضوء المصلحة العليا لألمانيا حيال إسرائيل، مضيفاً أن المستشار أكد خلال المقابلة الطارئة أن برلين لن تتخلى عن صداقتها لتل أبيب وستواصل مساعدتها في الدفاع عن نفسها.

 

أعرب نتنياهو في محادثة مع ميرتس عن خيبة أمله من هذا القرار واتهم ألمانيا بمكافأة حماس.
أعرب نتنياهو في محادثة مع ميرتس عن خيبة أمله من هذا القرار واتهم ألمانيا بمكافأة حماس.

 

التعاون الأمني
وفي وقت لم يُعر رئيس لجنة الدفاع في البوندستاغ توماس روفكامب أهمية كبيرة للانتقادات، مؤكداً أن القرار لا يشكل خروجاً عن التقاليد السابقة ولا تقييداً لتضامن ألمانيا غير المشروط مع إسرائيل، تساءل النائب شتيفان بيلزنغر، في تصريح لصحيفة "أوغسبرغر ألغيماينه"، ما إذا كان القرار سيتسبب بعدم تلقي برلين أي دعم من إسرائيل سواء في مجال الدفاع الجوي "آرو 3" أو معلومات من الموساد بشأن مكافحة الإرهاب.
وفي هذا الصدد، تفيد المعلومات أنه لا يزال من غير الواضح ما هي المعدات العسكرية التي ستوقف ألمانيا توريدها إلى إسرائيل في الوقت الحالي، وما إذا كان تقييد تصديرها سيؤثر على قدرة الجيش الإسرائيلي في الحرب. إنما قد يكون بينها الأسلحة المضادة للدبابات، والذخيرة، والأسلحة النارية، والقنابل، وأجهزة إلكترونية. لكن، وفق مراقبين، كان لافتاً أن ميرتس تحدث عن معدات عسكرية وليس عن أسلحة، والتي قد تشمل، على سبيل المثال، قطع الغيار ومحركات الدبابات. كما أنه من الأهمية بمكان التمييز بوضوح بين الأسلحة الهجومية وأنظمة الدفاع الصاروخية.
وحيال ذلك، أيد خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية بيتر لينتل في تصريحات إعلامية خطوة المستشار، معتبراً أنه أعاد الأمور إلى نصابها، مستبعداً أي عواقب طويلة المدى، ولا حتى على صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى ألمانيا، لأن لإسرائيل مصلحة في بيع نظامها الدفاعي الصاروخي "آرو 3". فيما بيّنت تعليقات أخرى أنه لن يكون للقرار أي تأثير يُذكر لأن الجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل أساسي على إنتاجه، وبشكل خاص على الأسلحة الأميركية.
وردّت وزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة الألمانية على استفسار لحزب اليسار في ما خص قيمة صادرات الأسلحة إلى تل أبيب منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مفيدة بأن الحكومة الفيدرالية وافقت حتى 13 أيار/ مايو 2025 على تسليم أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 485.1 مليون يورو لإسرائيل. وتُعد ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة للأخيرة بعد الولايات المتحدة الأميركية.

مكافأة "حماس"
وفي تل أبيب، لم يمر القرار مرور الكرام، إذ أعرب نتنياهو في محادثة مع ميرتس عن خيبة أمله من هذا القرار، واتهم ألمانيا بمكافأة "حماس". ووفق مكتب نتنياهو، فإن المستشار الألماني رضخ تحت ضغط "التقارير الإعلامية الكاذبة" بدلاً من دعم حرب إسرائيل العادلة ضد "حماس"، التي ارتكبت أفظع هجوم على الشعب اليهودي منذ المحرقة. أما الانتقادات اللاذعة الأخرى لميرتس فجاءت من جوزف شوستر، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، الذي رأى أن تغيير برلين مسارها مع إسرائيل يتعارض مع جميع إشارات التضامن والوعود التي قطعها المستشار منذ توليه منصبه، لافتاً إلى أن حرمان إسرائيل فرصة الدفاع عن نفسها ضد تهديدات "حماس" يعرض وجودها للخطر.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/17/2025 9:19:00 AM
منذ ساعات، يستحوذ الفيديو على اهتمام مستخدمين كثر تفاعلوا معه بآلاف اللايكات والتعليقات. ما قصته؟ 
النهار تتحقق 11/17/2025 11:20:00 AM
"هذه الصور وصلتنا قبل قليل للخلية التي ألقت عناصر من الأمن والداخلية السورية القبض عليها، وهي تابعة لحزب الله..."، تقول المذيعة. ما حقيقة هذا المقطع؟
العالم 11/17/2025 6:30:00 AM
لم يتم بعد الكشف عن طبيعة الحادث الذي تعرضت له الحافلة.
سياسة 11/16/2025 7:55:00 PM
يتمتع مرتينوس بخبرة تزيد عن 25 عاماً في ممارسة المحاماة، وقد شغل عدة مناصب داخل نقابة المحامين في بيروت قبل ترشحه للنقابة