ألمانيا على أعتاب قرار تاريخي: هل يُحظر "البديل" بعد تصنيفه متطرّفاً؟

صنّف المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية)، يوم الجمعة، حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، وهو أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ، كياناً متطرفاً بالكامل، وذلك بعد مراجعة شاملة ومحايدة موثقة في تقرير من 1100 صفحة. فماذا يعني هذا التصنيف؟ وما احتمالات أن يؤدي إلى إجراءات حظر؟
تجاهل للنظام الأساسي
أوضح المكتب الاتحادي في حيثيات قراره بأن الفهم العرقي السائد في داخل الحزب لا يتوافق مع النظام الأساسي الديموقراطي الحر، وأن الطابع المتطرف للحزب يتجاهل مبدأ الكرامة الإنسانية، ممّا يهدّد الديموقراطية. وأشار التقرير إلى أن الحزب يميز ضد مجموعات بعينها في داخل المجتمع، ويعتبر المواطنين من أصول مهاجرة غير متساوين مع "الشعب الألماني".
وقد استندت الاستخبارات في تقييمها إلى تصريحات صادرة عن ممثلي الحزب، منها ما قيل خلال الحملة الانتخابية البرلمانية العامة في شباط/فبراير الماضي، إضافة إلى الانتخابات في ثلاث ولايات شرقية. من أبرز هذه التصريحات ما قالته الزعيمة المشاركة للحزب أليس فايدل عن أن "الثقافات العنيفة" جلبت "جرائم السكاكين" إلى ألمانيا، وهو أمر "غير معروف إطلاقاً في ثقافتنا"، إلى جانب منشورات أخرى معادية للأجانب.
سمعة البوندستاغ
ورأى مراقبون أن استمرار تمثيل "البديل" في البرلمان، رغم تصنيفه متطرفاً، من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بسمعة البوندستاغ. في المقابل، أشار قانونيون إلى أن التصنيف لن يغيّر شيئاً من الناحية الرسمية، إذ سيبقى الحزب متمتعاً بجميع حقوقه البرلمانية، ولن تكون هناك عواقب فورية بموجب القوانين الداخلية أو النظام البرلماني المعمول به.
سياسياً، يبقى موقف الكتل الأخرى في البرلمان على حاله، وهو عدم التعاون مع الحزب والإبقاء على ما يُعرف بـ"جدار الحماية" السياسي، رغم مطالب سابقة باعتباره حزب معارضة يتم التعامل معه أسوة ببقية الأحزاب. وبما أن أكبر أحزاب المعارضة عادة ما يترأس لجنة الموازنة – وهي من أبرز اللجان البرلمانية – فإن ترؤس "البديل" لهذه اللجنة بات شبه مستحيل بعد هذا التصنيف، استناداً إلى اعتبار نواب الحزب غير مؤهّلين لتمثيل الديموقراطية، وفق ما أكدت السياسية الاشتراكية كاتيا ماست لشبكة "ARD".
أعضاء البديل تحت المجهر
وأشار محللون إلى أن نواب "البديل" أصبحوا أمام خيارين: إما الالتزام بالمبادئ الديموقراطية وترك الحزب، أو البقاء كجزء من مشروع متطرّف. وفي هذا السياق، قال ماتياس ميرش من الحزب الاشتراكي، على هامش مؤتمر للكنيسة البروتستانتية: "ما يبدو عنصرياً هو عنصرية في النهاية، وما نحتاجه الآن هو ردّ مشترك وحاسم من دولة القانون"، في إشارة إلى إمكانية فرض عقوبات أو حتى المضي نحو حظر الحزب، رغم تحفّظ المستشار أولاف شولتس وتحذيره من التسرّع.
وبموجب الدستور، يمكن للحكومة الاتحادية أو المجلس الاتحادي أو البوندستاغ التقدم بطلب إلى المحكمة الدستورية لفرض الحظر. وفي ظل الدعوات المتزايدة داخل البرلمان لسلك هذا المسار، يُتوقع أن تطال الإجراءات المحتملة أيضاً الموظفين الحكوميين المنتسبين إلى الحزب.
وقال المحامي تشان جو جون لوسائل إعلام ألمانية إن القانون يُلزم الموظفين الحكوميين بالالتزام الكامل بالنظام الأساسي للدولة. وسيتعين على المحاكم تحديد ما إذا كانت العضوية في الحزب ودفع الاشتراكات كافية لتشكيل انتهاك، أم أنه يجب إثبات "المشاركة السياسية" أو "التصريحات العلنية" أيضاً. وأكد أن سلوك الأعضاء بعد صدور القرار سيكون ذا تأثير حاسم، وعلى أعضاء "البديل" أن يدركوا أن حزبهم، من وجهة نظر الدولة، بات يمارس أنشطة مناهضة للدستور.
عقبات قانونية أمام الحظر
يرى الباحث السياسي توماس برغمان في حديثه إلى "النهار" أن عملية حظر الحزب ستكون معقدة، لكنه أشار إلى أن تعديلاً على القانون الأساسي عام 2017 نصّ على سحب التمويل الحكومي من الأحزاب التي تسعى من خلال سلوكها ومؤيديها إلى تقويض النظام الديموقراطي الحر أو تهديد وجود جمهورية ألمانيا الاتحادية. ويضيف أن دور مكتب حماية الدستور يقتصر على جمع المعلومات وإعلام الجمهور بالأنشطة المخالفة، لكنه أصبح الآن قادراً على استخدام وسائل استخباراتية إضافية، مثل نشر مخبرين سريين، ومراقبة مصادر تمويل الحزب، وفرض قيود على التوظيف داخله.
ويشير برغمان إلى أن "البديل" قد يحاول استثمار قرار التصنيف ليظهر بمظهر الضحية أمام قاعدته، واستخدامه كورقة ضغط في الطعن القانوني لاحقاً.
"البديل": محض هراء
من جهته، أعلن حزب "البديل" عزمه اتخاذ إجراءات قانونية ضد القرار، معتبراً التصنيف "تدخلاً سياسياً" في عملية صنع القرار الديموقراطي، ولا يستند إلى معايير أمنية نزيهة. واتهم الحزب مكتب حماية الدستور بأنه أداة بيد الحكومة لقمع أكبر أحزاب المعارضة.
وفي رد أوّلي، قال السياسي في "البديل" شتيفان براندنر إن التصنيف "محض هراء" ولا علاقة له بالقانون، مؤكداً أنه جزء من معركة تخوضها "أحزاب الكارتل" ضد حزبه.
في المحصلة، فإن تصنيف الحزب بأكمله كتنظيم يميني متطرف لا يعني بالضرورة أن الحظر سيكون فورياً، إلا أن النقاش بشأن هذا الإجراء بات أكثر زخماً.