يستعد الأوروبيون لعالم جديد لم يعد بوسعهم فيه الاعتماد على حاميهم العسكري الولايات المتحدة، وبات عليهم التحرك بسرعة لزيادة قدراتهم الدفاعية ضد روسيا، لكن الأمر يتطلب ضخ مليارات كثيرة جداً على التسلح النوعي الذي كان حتى الأمس القريب من المحرمات. فكيف تريد أوروبا إعادة تسليح نفسها؟

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، الثلاثاء: "هذه هي ساعة أوروبا، ويجب أن نرقى إلى مستوى توقعاتها"، مقترحة ، من أجل إعادة تسلح أوروبا بشكل عاجل، خطة مكونة من خمس نقاط تشمل تخفيف قواعد الديون من أجل خلق حوافز لزيادة الاستثمار والإنفاق الدفاعي، لافتة إلى أن أوروبا قادرة على جمع مبلغ إجمالي بنحو 800 مليار يورو. 
ومن بين أمور أخرى، وعدت فون ديرلاين الدول الأعضاء بمنح قروض بقيمة 150مليار يورو لشراء صواريخ وأنظمة دفاع جوي بشكل مشترك، ما سيمكنها من زيادة مساعداتها العسكرية لأوكرانيا، على أن تصدر المفوضية أيضاً سندات جديدة للاتحاد الأوروبي مضمونة بموازنة التكتل. وتستطيع الحكومات بعد ذلك اقتراض هذه الأموال بأسعار فائدة منخفضة لشراء الأسلحة. وبحسب التقديرات، وإذا ما زادت الدول الأعضاء إنفاقها العسكري بمعدل 1.5 من الناتج الاقتصادي، فإن هذا سيصل إلى 650 مليار يورو في 4 سنوات.
تحالف الراغبين
واعتبر الخبير في الشؤون الأوروبية تيمو دوفيل في حديث إلى "النهار" أن المزيد من الأموال سيتم جمعه من خلال موازنة الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار والحوافز للمستثمرين من القطاع الخاص، وأن الأمور ستتخذ منحى مغايراً بعدما زادت الضغوط هذه المرة من ترامب الذي علق مطلع الأسبوع الجاري، وحتى إشعار آخر، المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا لإجبار رئيسها فولوديمير زيلينسكي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا.
وأوضح أن صندوق الاتحاد الأوروبي المخطط له توفير هذه القروض يستهدف في المقام الأول الدول التي يتعين عليها في العادة دفع أسعار فائدة أعلى في سوق رأس المال، وقد يحدث ذلك فرقاً محدوداً في تكاليف التمويل للدول الأعضاء، إلا أنه وبالنسبة إلى الدول ذات التصنيف الائتماني (3 ايه) مثل ألمانيا لا يقدم لها أي ميزة. وبطبيعة الحال، فإن هذه القروض ستساعد في تجميع الطلبات على الشراء بشكل مشترك. والعنصر الأهم هو تخفيف المفوضية القواعد المالية للتكتل وتفعيل بنود الطوارئ الوطنية، حتى تتمكن تلك الدول من جمع المزيد من التمويل لعمليات التسليح، بينها الحديث عن تشكيل عشرات الألوية العسكرية وجيش يناهز 300 ألف عسكري بأكثر من 3500 دبابة.
من جهة أخرى، تفيد المعلومات من بروكسيل بأنه قد يتفق المشاركون في القمة الأوروبية المقررة الخميس، على حزمة تتضمن خيارات تمويلية عدة من بينها إعادة تخصيص أموال موازنة الاتحاد الأوروبي ومساعدات كورونا وقواعد الديون الأوروبية، حتى إن النقاشات توصلت إلى صيغة تقضي بإنشاء بنك دفاعي متعدد الأطراف بالتعاون مع حلفاء من خارج التكتل، بينهم بريطانيا والنروج، وضمن ما يسمى "تحالف الراغبين".
 
رادع نووي مشترك
ومع استمرار الغليان والتوتر بين ضفتي الأطلسي منذ بدء ولاية ترامب الثانية والخلاف العلني مع زيلينسكي في المكتب البيضوي وتهديده لاحقاً بأن الولايات المتحدة قد تفقد صبرها، تزايدت المخاوف الأوروبية بشأن انتهاء الضمانات النووية الأميركية مع دعوات حاشية ترامب إلى انسحاب أميركا من حلف الناتو، تظهر سعياً لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار المستقبلي لألمانيا فريدريش ميريتس لطرح خطط بديلة للحماية من الأخطار، وفي مقدمتها استكشاف رادع نووي مشترك.  
ويقول ميريتس إن ألمانيا وأوروبا يجب أن تستعدا لحقيقة مفادها أن دونالد ترامب لن يحترم بعد الآن بشكل كامل تعهدات معاهدة حلف الناتو بالمساعدة ، ولهذا السبب يتعين على أوروبا أن تستقل خطوة بخطوة عن الولايات المتحدة، وإنه منفتح على التعاون مع قوى نووية أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا، وعلى إمكان خلق مظلة حماية مشتركة للحماية النووية في أوروبا، وهذا ما سيكون موضع نقاش في المفاوضات الجارية بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديموقراطي لتشكيل ائتلاف حكومي جديد في ألمانيا.
 ورغم أن ميريتس لا يرى أن هناك أي سبب لأن تمتلك ألمانيا أسلحة نووية خاصة بها، وصف زعيم حزب الشعب الأوروبي مانفرد ويبر إعلان ميريتس بأنه "إشارة قوية ومهمة".