كيف تذلّلت العقبات أمام الاتفاق بشأن المعادن الأوكرانية؟
إنها أحدث نقاط التوتر بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. وربما تكون أحدث مفاتيح الحلول أيضاً: ثروات أوكرانيا المعدنية. أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعادة الأموال التي دفعتها بلاده دعماً لأوكرانيا. كان المبلغ المطلوب هو 500 مليار دولار. رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ذلك. فالولايات المتحدة لم تدفع سوى 100 مليار دولار تقريباً كما أوضح. علاوة على ذلك، يريد زيلينسكي ضمانات أمنية مقابل الاستثمار الأميركي. هذا إلى جانب أن الوثيقة الأولى التي قدمها وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت طلبت الاستثمار في كل ثروات أوكرانيا الطبيعية، ومن ضمنها النفط والغاز، وحتى في بعض الموانئ، وليس فقط في المعادن النادرة.
منذ 12 شباط (فبراير) تاريخ تقدم بيسينت بمسودة لاتفاق المعادن وحتى اليوم، شهدت المواقف الأميركية والأوكرانية من الاتفاق حركة مد وجزر. كلما أبدى المسؤولون الأميركيون تفاؤلاً باقتراب موعد إبرام الاتفاق، رد المسؤولون الأوكرانيون بالنفي. "لا أستطيع بيع دولتنا"، قال زيلينسكي في 19 شباط. وفي 23 شباط، كرر أنه "لن يبرم اتفاقاً ستدفعه 10 أجيال من الأوكرانيين". وشدد على أن ما حصلت عليه أوكرانيا هو مِنح، وليس ديوناً، بالتالي لا يتوجب على دولته إعادة دفع ثمن المنح.
لكن في اليوم نفسه، قال رئيس البرلمان الأوكراني رسلان ستيفانشوك إن الحكومة ستبدأ العمل الاثنين للتوصل إلى اتفاق مع الإدارة. في غضون ذلك، غادر مدير مكتب زيلينسكي أندريه يرماك مع وزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدنكو إلى واشنطن للتفاوض حول الاتفاق المحتمل. يوم الثلاثاء، توصل الطرفان إلى تسوية كما ذكرت "فايننشال تايمز".
ما هي العناصر الأرضية النادرة؟
هي مجموعة من 17 عنصراً معدنياً مثل السكانديوم والنيوديميوم والإتريوم وغيرها من العناصر التي تدخل في صناعة أكثر من 200 منتج في مجالات متطورة مختلفة. من هذه المجالات، الهواتف الخلوية ومحركات الأقراص الصلبة والمركبات الكهربائية والهجينة والشاشات المسطحة وغيرها. وتعدّ هذه العناصر جزءاً أساسياً من التطبيقات الدفاعية كأنظمة التوجيه والليزر والرادار والسونار. وبما أن هذه العناصر متشابهة كيميائياً، يمكن عادة استخدامها بشكل متبادل في بعض التطبيقات.
بالرغم من تسميتها، ليست جميع تلك العناصر نادرة، أو على الأقل ليست بندرة الذهب والفضة والبلاتينوم مثلاً. من المشاكل التي تعترض المستثمرين فيها أنها غير متركزة في مكان واحد وأنه يصعب تفكيكها بما أنها تلتحم مع أيونات الفوسفات المضادة.
وتحتوي أوكرانيا أيضاً على واحدة من أكبر الاحتياطات المعدنية في أوروبا لعناصر مثل التيتانيوم والليثيوم (ليسا من العناصر الأرضية النادرة)، حيث يستخدم المعدنان أيضاً في الصناعات الدفاعية الفضائية والطبية والآلية كما في الصناعات الخضراء وغيرها. بالمجمل، وبحسب "فورين بوليسي"، تحمل أوكرانيا "رواسب مهمة تجارياً لـ 117 من 120 معدناً صناعياً هي الأكثر استخداماً عبر أكثر من 8700 رواسب تم مسحها".
ما مدى حيوية الاتفاق؟
تطرقت غراسلين بسكاران وميريديث شوارتز، خبيرتان في شؤون أمن المعادن ضمن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، إلى العوائق التي تصعّب الاستثمار. فالبيانات محدودة حول ما إذا كانت هذه الثروات قابلة للتجارة، وهي تستند إلى دراسات سوفياتية قديمة عمرها بين 30 و60 عاماً. والتعدين هو من أكثر الصناعات استهلاكاً للطاقة في وقت خسرت أوكرانيا نصف إمكاناتها لتوليد الطاقة بسبب الحرب والاحتلال. وإلى جانب تردد الشركات بإجراء استثمار طويل المدى في دولة تمزقها الحرب، يتطلب تطوير منجم نحو 18 عاماً في المعدل مع كلفة قد تبلغ مليار دولار.
تكمن الشكوك الأولى في مدى جرأة الشركات الأميركية على العمل ضمن الأراضي الأوكرانية. قال بيسينت الأحد إنه ما من ضمانات عسكرية في الاتفاق المقترح، لكنه أضاف أن الضمانات ستكون ضمنية لأن الولايات المتحدة ستنخرط بشدة في الاقتصاد الأوكراني. وأشار إلى أن "الروس يكرهون هذا الاتفاق".
كل هذا والحديث يدور فقط حول الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا. ما الذي ستفعله الولايات المتحدة مع الثروات الموجودة في الشرق الأوكراني الذي تحتله روسيا؟ كل المؤشرات الحالية تدل إلى أن الإدارة الأميركية لن تبذل جهداً استثنائياً لمساعدة أوكرانيا على استرجاع تلك الأراضي. لكن بوتين قال مؤخراً إنه مستعد للتباحث مع الأميركيين حول الاستثمار بالمعادن النادرة في روسيا وفي شرق أوكرانيا. وذكرت "فوربس" أن 70 في المئة من موارد أوكرانيا المعدنية الحيوية موجودة في لوغانسك ودونيتسك ودنيبروبتروفسك شرق أوكرانيا. تسيطر روسيا بالكامل تقريباً على لوغانسك، وعلى نحو 70 في المئة من دونيتسك. تُعرف المنطقتان باسم دونباس. بينما تسيطر أوكرانيا على دنيبروبتروفسك. وقدّم الاتحاد الأوروبي أيضاً عرضه بشأن اتفاق "مربح للجانبين" بشأن المعادن الحيوية.
مقترح آخر
رأى الديبلوماسي البريطاني السابق إيان براود أن مبلغ الـ 500 مليار دولار يتطابق مع التقديرات الأممية لكلفة إعادة إعمار أوكرانيا. ويظل هذا الرقم جزءاً ضئيلاً من تقديرات أخرى تشير إلى أن الثروة المعدنية الأوكرانية تبلغ 11 تريليون دولار. وإذا نجح ترامب في دفع روسيا إلى التخلي عن أصولها المجمدة البالغة 300 مليار دولار لأوكرانيا، مقابل تعهد أميركي بعدم دعم أوكرانيا لاستعادة أراضيها المحتلة، فسيتمكن الرئيسان الروسي والأوكراني من ادعاء النصر.
بالمختصر، من المرجح ألا تكون تقديرات الثروة المعدنية الأوكرانية دقيقة بسبب قدمها. نظرياً، تحتاج الولايات المتحدة وأوكرانيا إلى إجراء مسح جديد لتحديد مكان ونوعية وعمق ومردود وحيوية الاستثمار في المعادن قبل قبول أو رفض الاتفاق المستقبلي. لكن بحسب "رويترز"، قد يكون ترامب راضياً عن اتفاق عام في البداية قبل صياغة التفاصيل في وقت لاحق. وهذا ما ذكره مسؤول أوكراني لـ "فايننشال تايمز" إذ أشار إلى أن واشنطن ستطور ثروة المعادن وموارد الطاقة مع ذهاب الإيرادات إلى صندوق مشترك بين البلدين. وأضاف أن التفاصيل ستذكر في اتفاقات لاحقة. وذكر التقرير أن الولايات المتحدة تخلت عن مطلبها بالحصول على حق تحقيق إيرادات تصل إلى 500 مليار دولار من استغلال هذه الموارد. وستساهم أوكرانيا بنسبة 50 في المئة من عائدات التسويق المستقبلي للموارد المعدنية ليُستثمر في مشاريع داخل البلاد. وستستثنى من ذلك الموارد المعدنية التي تساهم حالياً في تغذية الخزينة.
وقال ترامب إن زيلينسكي يريد المجيء إلى واشنطن هذا الأسبوع لإبرام الاتفاق. ورداً على سؤال صحافي عما تكسبه أوكرانيا مقابل ذلك، أجاب: "350 مليار دولار والعديد من المعدات، المعدات العسكرية، وحق مواصلة القتال". وأشاد بـ "شجاعة" الأوكرانيين لكنه أضاف أنهم لن يحققوا الكثير بدون دعم أميركي.
ربما هدف إصرار ترامب على إبرام اتفاق مع أوكرانيا بشأن المعادن، وتحديداً إصراره على الإعلان عن هكذا اتفاق، إلى التلويح بورقة نصر اقتصادي أمام قاعدته الشعبية، إضافة إلى إظهار جديته أمام دول أخرى. ويبدو أن أوكرانيا قد تستمر في الحصول على دعم عسكري أميركي في المدى المنظور (ولو كان دفاعياً بالدرجة الأولى)، وإن لم تحصل على مطلبها بضمانات أمنية. بحسب ما يظهر حتى الآن، كانت التسوية معقولة، خصوصاً أن أوكرانيا رأت فيها منصة لتوسيع التعاون مستقبلاً. كما لاحظت مجلة "إيكونوميست" قبل ثلاثة أيام، مهما كان الاتفاق المعروض سيئاً على كييف، فالرفض الأوكراني له كان ليتسبب بتداعيات أسوأ.
نبض