في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه سيعرض على الجانب الروسي، إذا جرت بينهما مفاوضات، مبادلة الأراضي التي تسيطر عليها قواته في منطقة كورسك الروسية مقابل أراض أوكرانية تحتلّها روسيا. 

وبعد ثلاث سنوات من الحرب، التي بدأت في 24 شباط/ فبراير 2022، بات ما يقارب من 20 في المئة من الأراضي في شرقي أوكرانيا وجنوبها تحت سيطرة الجيش الروسي. 

ولعلّ الهجوم المفاجئ، الذي شنه الجيش الأوكراني على المقاطعة الروسيّة في آب/أغسطس الماضي، من أحد أهدافه الضغط على موسكو لإجراء مثل هذا التبادل. لكن الواقع الميداني في الحروب لا يسير تماماً بحسب الخطط الموضوعة من قبل الأطراف المتصارعة. فقد عمدت روسيا إلى الاستعانة بقوات من حليفتها كوريا الشمالية، وبحسب المعلومات المتداولة أن هذه القوات تعمل على جبهة كورسك. 

وبالفعل، تمت استعادة جزء من هذه المناطق، فيما لا تزال المعارك محتدمة على خطوط هذه الجبهة في محاولة لاستعادتها بشكل كامل من القوات الأوكرانية. 

كذلك بالنسبة إلى الواقع السياسي الدولي، الذي يسير بنهج مختلف عمّا كانت تنتظره السلطة السياسية الأوكرانية، لا سيّما مع المباحثات المباشرة بين موسكو وواشنطن في الريّاض. وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأوكراني أن أيّ خطة لإنهاء الحرب يجب أن توفر ضمانات أمنية قوية لبلاده، غير أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء الماضي بدت كأنها صاعقة تضرب مقرّ الرئاسة في كييف مع إلقائه اللوم على زيلنسكي ببدء الحرب، لا بل رأى فيه رئيساً غير كُفء. 

وعلى المقلب الروسيّ، وصف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف، اقتراح كييف تبادل الأراضي بأنه "هراء". وقال إن "موسكو أظهرت أنها قادرة على تحقيق السلام من خلال القوة". 

أمام هذه الوقائع، كيف تنظر كييف إلى مستجدات الخريطة الجيوسياسية؟ 
الدبلوماسي الأوكراني السابق، فولوديمير شوماكوف، لا يخفي تعقيدات هذا الملف، ويقول إن نقل الحرب إلى داخل روسيا في كورسك "فيه إذلال لبوتين، وبمثابة صفعة على وجهه؛ وهو الذي أراد أن يحتل كامل أوكرانيا في غضون شهر، والآن لا يستطيع طرد مجموعة أوكرانية من داخل أراضيه". ويشير في حديثه مع "النهار" إلى طلب روسيا مساعدة كوريا الشمالية، نظراً إلى الخسائر التي تكبّدها الجيش الروسي في حربه مع أوكرانيا. ويتابع قائلاً "نحن لا نستطيع أن نعرف إن كان سيكون هناك تبادل للأراضي أم لا. القرار النهائي في هذا الشأن هو عند بوتين وليس فقط زيلنسكي". 

وعن التقارب الأخير بين روسيا والولايات المتحدة برئاسة ترامب، يرى الدبلوماسي الأوكراني أنه يُظهر أن "ترامب راديكالي. وإذا كان موالياً لروسيا فإنه لا يستطيع إجبار أوكرانيا على أن تتخلّى عن أراضيها حتى لو طلب منّا تنازلات"، ويضيف أنه مقابل الموقف الأميركي المستجد هناك إجماع أوروبي حول بلاده، مع إقراره بأن أوروبا لا تستطيع تأمين كل احتياجات أوكرانيا، وهي كانت "في غيبوبة، واستيقظت بعد قمة ميونيخ (مؤتمر ميونيخ للأمن)". ومواقف ترامب كانت بمثابة "دوش بارد" لأن الأوروبيين فهموا أخيراً أن أميركا "لن تساعدهم".

وينقل شوماكوف عن مسؤولين أوروبيين أن ترامب بمواقفه "سوف يدمّر الناتو من الداخل". ويبدو كأنما خلع قفازات الديبلوماسية عند حديثه عن الرئيس الأميركي، إذ يقول "يبدو لي أحياناً أن ترامب بات رئيس الصين لا أميركا، لأنّ كثيراً ما تصبّ قراراته في مصلحة الصين لا أميركا، مثل خلق توتر مع كندا وأميركا اللاتينية وأوروبا، حتى أن المشاريع التي أوقفتها الإدارة الأميركية تعرض الصين اليوم تمويلها. وكل هذا يعزّز النفوذ الصيني في العالم". 

أمّا الحلّ فهو بالانضمام إلى إوروبا، وتحصين القوة العسكرية، محذّراً من أن بلاده، وكلّ تلك البلدان التي كانت ضمن المنظومة السوفياتية سابقاً، تدرك جيّداً المطامع الروسية، لذلك آثرت الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي طلباً للحماية. 

ويختم بالإشارة إلى "طلب بوتين عودة الناتو إلى حدود 1991، أي إلى حدود الاتحاد السوفياتي. أنا على يقين أنه أثناء المفاوضات الطويلة سوف نسمع شروطاً جديدة من روسيا وهي انسحاب الناتو من أوروبا الشرقية".