لماذا تدعم أيرلندا القضية الفلسطينية برغم المخاطر؟

اسرائيليات 18-12-2024 | 09:51

لماذا تدعم أيرلندا القضية الفلسطينية برغم المخاطر؟

إسرائيل تعلن إغلاق سفارتها في أيرلندا بسبب دعم الأخيرة للفلسطينيين. وثمة تخوف من إجراءات أميركية مستقبلية.
لماذا تدعم أيرلندا القضية الفلسطينية برغم المخاطر؟
رئيس الوزراء الأيرلندي سايمون هاريس يعلن أنه سيعترف بدولة فلسطينية، أيار 2024 - "أ ب"
Smaller Bigger

حين هاجرت فاتن التميمي إلى أيرلندا سنة 1988، شعرت بأنها الفتاة الوحيدة التي ترتدي حجاباً في شوارع دبلن. كان الناس يعتقدون أنها راهبة، كما قالت في مقابلة مع "الإذاعة الوطنية العامة"، فكانوا يحيونها بـ "باركك الله يا أختاه". وحين علموا أنها فلسطينية، أبدوا تعاطفهم: "نعرف ذلك كله، لقد مررنا في ذلك".

 

تعدّ إيرلندا من الدول الغربية القليلة التي تقدم دعماً لا هوادة فيه للفلسطينيين بالرغم من الردود الإسرائيلية الغاضبة.

 

في الربيع الماضي، اعترفت أيرلندا، إلى جانب كل من إسبانيا والنرويج، بدولة فلسطين. حينها، اتهمت السفيرة الإسرائيلية في دبلن دانا إرليتش الأيرلنديين بإظهار "هوس غير متناسب بإسرائيل وهو ما لا نراه مع أي دولة أخرى".

 

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلنت دبلن موافقتها على تعيين أول سفيرة فلسطينية لديها. ودعمت أيرلندا مؤخراً عريضة في محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، وأيدت اقتراحات كي توسع محكمة العدل الدولية تفسيرها لما يُعد إبادة جماعية ترتكبها أي دولة. وكانت أيرلندا قد أعربت في تشرين الثاني عن استعدادها لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زارها، وذلك تنفيذاً للمذكرة التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية.

 

ردت إسرائيل يوم الأحد معلنة إغلاق سفارتها في أيرلندا بسبب ما اعتبرها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر "سياسات متطرفة مناهضة لإسرائيل، تنتهجها الحكومة الأيرلندية" مضيفاً أن دبلن تجاوزت "كل الخطوط الحمراء". قبل افتتاحها سنة 1996، كانت أيرلندا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لا تملك سفارة إسرائيلية على أراضيها.

 

هذه الأمثلة هي فقط الأدلة الأحدث على المسيرة الطويلة من التعاطف الأيرلندي مع الفلسطينيين والتي امتدت لأكثر من ثلاثة أرباع القرن.

 

في الواقع، يرى كثر أن أيرلندا هي واحدة من أشد الداعمين للقضية الفلسطينية، إن لم تكن أشد الداعمين لها على الإطلاق. "لقد ناصرت حكومتها بشكل مستمر حقوق الإنسان، منتقدة السياسات الإسرائيلية حيال الفلسطينيين"، كما لفت رئيس قسم أبحاث السلام والنزاع في جامعة "أوبسالا" السويدية البروفسور أشوك سْوَين، في تعليق لـ "النهار". وكان سوين قد أشار على منصة "أكس" إلى أن دفاع دبلن عن القضية الفلسطينية يجعلها "من بين الدول القليلة في أوروبا، (التي تقف) في الجانب الصحيح من التاريخ".

 

 

لماذا؟

تعتقد التميمي أن ذلك بسبب التاريخ و"الطريقة التي قمع واستعمر بها البريطانيون" الأيرلنديين. وهو تحليل تؤيده غالبية المهتمين بالشأن الأيرلندي وعلاقات دبلن مع الفلسطينيين. أوضح سوين لـ "النهار" أن "أيرلندا تدعم بقوة القضية الفلسطينية بسبب تجربتها التاريخية مع الاستعمار والنزاع". أدى ذلك إلى "تعزيز التضامن مع النضالات (لحق) تقرير المصير".

 

و"أيرلندا هي أقدم مستعمرة لبريطانيا"، على ما قالته أستاذة التاريخ في كلية ترينيتي بدبلن جين أوهلمير لشبكة "سي أن أن"، إذ خضعت أيرلندا للاستعمار البريطاني لنحو 800 عام. وقال رئيس الوزراء الأيرلندي السابق ليو فارادكار إن الناس "يسألونه دوماً" عن سر تعاطف بلاده مع الفلسطينيين، لكن إجابته بسيطة: "نرى تاريخنا في عيونهم. قصة تهجير، وطرد، وهوية وطنية موضع تساؤل أو إنكار، وهجرة قسرية، وتمييز، والآن الجوع".

 

وثمة مفارقة تاريخية يمكن أن تمنح تفسيراً إضافياً للدعم الأيرلندي للفلسطينيين. كان وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر بلفور الذي وعد اليهود بتأسيس وطن قومي لهم على الأراضي الفلسطينية مسؤولاً سابقاً عن إدارة ملف أيرلندا. واشتهر بلفور بقمعه "الوحشي أحياناً" لمطالب الأيرلنديين بالاستقلال، بحسب تقرير لـ "نيويورك تايمز". لكن للمفارقة، لم تكن نظرة الأيرلنديين إلى الإسرائيليين تحمل دوماً طابع التشكيك والنفور. في أوائل القرن العشرين، كان الأيرلنديون يتعاطفون بشكل عام مع الحركة الصهيونية.

 

بحسب تحليل سابق لمدير الدراسات الشرق أوسطية في كلية الملك بلندن روري ميلر، تعاطف الأيرلنديون في العشرينات والثلاثينات مع الإسرائيليين بناء على افتراض وجود معاناة مشتركة بين الطرفين، ودعموا الحركة الصهيونية لتحديد مصير الشعب اليهودي بوجه البريطانيين.

 

لكن ميلر، وهو مؤلف كتاب "أيرلندا والقضية الفلسطينية 1948-2004"، أشار إلى أن الأيرلنديين تمردوا في العقد الثاني من القرن العشرين على بريطانيا فانتهت بإخضاع الأخيرة ست مقاطعات من شمال البلاد (القسم الأكبر من أولستر) لحكم تاجها. وبمجرد قبول الحركة الصهيونية بتقسيم فلسطين، بدأت الدولة اليهودية تشبه أكثر، بحسب الأيرلنديين، مستعمرة أسستها القوة البريطانية ضد السكان الأصليين. وكما نظر الأيرلنديون إلى أولستر كحصن ضد القومية الأيرلندية، راحوا ينظرون إلى إسرائيل كسد ضد القومية العربية.

 

تداعيات محتملة

بالرغم من أن الأيرلنديين يميزون بشكل أو بآخر بين الفلسطينيين وحركة "حماس"، لا يجد الإسرائيليون ذلك كافياً. فارادكار، رئيس الوزراء السابق، قال بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) إنه يؤمن بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لكنه وصف ما تفعله في رد فعلها على الهجوم بأنه "يشبه شيئاً يقترب من الانتقام". لاحقاً، صعّدت أيرلندا لهجتها لتقول إن ما يحصل "عقاب جماعي للشعب الفلسطيني".

 

رداً على قرار إسرائيل إغلاق سفارتها في دبلن، قال رئيس الوزراء الأيرلندي الحالي سايمون هاريس: "أرفض تماماً الادعاء بأن أيرلندا معادية لإسرائيل، أيرلندا مؤيدة للسلام وحقوق الإنسان والقانون الدولي". لكن هذا التأييد قد لا يمر بلا أثمان إسرائيلية وحتى أميركية.

 

تخوف إيان دوهرتي، كاتب عمود في صحيفة "أيريش إندبندنت"، من الخطوة الإسرائيلية الأخيرة مشيراً إلى "أننا نحتاج إلى تكنولوجيا الرقائق الإسرائيلية أكثر من حاجة إسرائيل إلى الزبدة الأيرلندية". وأضاف أنه مع استلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه، قد تحدث هجرة للشركات الأميركية من أيرلندا، خصوصاً بعد تحذير سبق أن أطلقه في هذا المجال نائب الرئيس جيه دي فانس.

 

هل تتراجع أيرلندا عن مواقفها في حال واجهت تداعيات كهذه؟ يبدو سوَين من جامعة أوبسالا السويدية واثقاً من الإجابة: "بالرغم من عقوبات تجارية محتملة وتوترات ديبلوماسية مع إسرائيل، تعطي أيرلندا الأولوية لموقفها الأخلاقي والإنساني في الديبلوماسية الدولية".


الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
المشرق-العربي 10/9/2025 5:51:00 AM
حذّر أدرعي سكان قطاع غزة من العودة إلى المنطقة التي تقع شمال وادي غزة
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟