بين "ماغا" الأميركية و"ميغا" الأوروبية... نار تحت الرّماد
لم يكن ينقص أوروبا سوى إيلون ماسك حتى يزداد تشاؤمها من المرحلة المقبلة. في 18 كانون الثاني (يناير)، كتب ماسك على منصة "أكس": "من ماغا إلى ميغا: اِجعلوا أوروبا عظيمة مجدداً".
استدرج منشور ماسك ردود فعل من بعض الحسابات الأوروبية التي دعته إلى عدم التدخل في شؤون القارة أو التي اتهمته بأنه يفتقر إلى فهم أن أوروبا "هي أساساً عظيمة". بصرف النظر عن أن ماسك لا يستطيع التوقف عن نشر ما يثير الجدل على منصته، من ضمن ذلك دعم "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات المقبلة، لم يكن هذا المقترح هو الأول من نوعه. طرح مفكرون وسياسيون هذا المفهوم بعد فوز ترامب بالانتخابات، لكن أيضاً قبله.
ركِّزوا على المجر
في حزيران (يونيو) الماضي، قال الوزير المجري لشؤون الاتحاد الأوروبي يانوس بوكا إن رئاسة بلاده للاتحاد الأوروبي ستتم تحت شعار "اجعلوا أوروبا عظيمة مجدداً". مثّلت المجر "صداعاً" لبروكسل بسبب قضايا خلافية تبدأ بالنظرة إلى روسيا ولا تنتهي عند حكم القانون في الداخل. لكن حين سئل عما إذا كان هناك من تماثل بين "ميغا" و"ماغا"، قال بوكا إن المقصود بـ "ميغا" هو أن أوروبا ستصبح أقوى إذا عملت بشكل جماعي. وأضاف بشكل معبّر: "لا أعرف ما إذا كان دونالد ترامب قد أراد قط جعل أوروبا عظيمة مجدداً".
ربما مثل كلام بوكا تحوطاً من إمكانية خسارة ترامب الانتخابات بالتوازي مع إطلاق بروكسل رد فعل انتقامياً ضد بودابست. لكن ربما هناك نار تحت الرماد.
حتى اليسار
لم تكن عبارة "ميغا" متداولة فقط بين اليمين "الشعبوي". بعد أيام على فوز ترامب بالانتخابات، طرح المفكر اليساري سلافوي جيجيك السؤال التالي: "هل ستجد أوروبا القوة لمواجهة ماغا بشيء يمكن تسميته ميغا: اِجعلوا أوروبا عظيمة مجدداً عبر إعادة إرثها التحرري الراديكالي؟".
جاء ذلك، بعدما قال أحد الديبلوماسيين الأوروبيين إن فوز ترامب يشير إلى أن أوروبا "لم تعد الأخت الصغيرة الهشة" للولايات المتحدة. مصير أوروبا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض خاضع لنقاش حيوي، لكن مهما تكن خطة الأوروبيين المقبلة لعالم ما بعد الحماية الأميركية، فسيكون من الصعب تصور أن تصيغها بروكسل تحت شعار "ميغا"، وبالتحديد بعدما روج ماسك لهذا الشعار.
وإذا كان الملياردير الأميركي طامحاً إلى نقل أفكاره نحو أوروبا، فمن شبه المستحيل توقع انتصار هذه الفكرة في المستقبل البعيد. ثمة سببان على الأقل لتفسير شبه الاستحالة هذا.
وحدة في الظاهر... تفسّخات في الباطن
تحت سطح الوحدة الفكرية بين المحافظين الأميركيين والأوروبيين، مثل رفض المهاجرين والحفاظ على السيادة الوطنية وتعزيز قيم العائلة، ثمة تصدعات كبيرة بين قاعدتي الطرفين.
نقل الكاتب السياسي جدعون راخمان عن الخبيرة في الشعبوية الأوروبية كاثرين فيسكي قولها إن مطالب ترامب بفتح أوروبا أبوابها أمام المنتجات الزراعية الأميركية ستلقى استياء شديداً بين المزارعين هناك، وستساهم في تعزيز تيار معاداة أميركا لدى اليمينين الفرنسي والألماني. ولفت النظر أيضاً إلى أن أوربان على علاقة جيدة بالصين، وهي قضية إشكالية أخرى مع ترامب.
ويمكن ملاحظة أن الرئيس الأميركي دعا زعيم حزب "الاسترداد" إريك زيمور ورفيقته ساره كنافو إلى حفل تنصيبه، لكنه لم يوجه دعوة إلى حزب "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبان، بالرغم من أنه يمثل الغالبية الساحقة من اليمين الفرنسي المتشدد. يرى البعض أن من أسباب هذه الدعوة عمل زيمور وكنافو الدؤوب على التقرب من ترامب وماسك، بالمقارنة مع تجاهل لوبان لهذا المسعى، خصوصاً بعدما امتنع ترامب عن لقائها سنة 2017 حين كانت في برجه الشهير. مهما كانت أسباب ترامب لعدم دعوة لوبان إلى حفل التنصيب، تبقى الخطوة بالغة الدلالة إلى ضعف التجانس بين المحافظين على ضفتي الأطلسي. ليس مردّ ذلك خلافات شخصية أو تجارية وحسب.
الفكر كعائق آخر
سنة 2018، أسهب الأستاذ الفخري للإنسانيات في كلية إليزابيث تاون (بنسلفانيا) بول غوتفريد في شرح الفروق الدقيقة لكن المؤثرة بين شعبويي أميركا وأوروبا. فأميركا بنيت على "فكرة" لا على حدود "إثنية"، وكان هذا أحد أسباب نظرتها الاستعلائية إلى القارة العجوز. ولن يسمع أي أميركي رئيسه يتلو خطاباً يشبه خطاب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن أهمية المسيحية في الدفاع عن الثقافة الأوروبية، هذا إلى جانب أن الحكومات الأوروبية نفسها لن تفرض رسوماً تجارية على بعضها البعض. كذلك، يؤمن شعبيو أوروبا بأن أميركا "تتنمر" عليهم، كما حصل حين وضع ترامب فيتو على تشكيل حكومة إيطالية سنة 2019، إلى جانب تمتع أميركا بتاريخ من الوقوف بوجه الأنظمة الملكية الأوروبية.
عندما يقرأ المرء هذه الأمثلة، ربما يتمكن من فهم أحد جوانب ما قاله بوكا الصيف الماضي. قد لا يكون الأمر مجرد تحوط من خسارة ترامب للانتخابات، بل ربما حتى من الفوز بها. لا شك في أن المحافظين على ضفتي الأطلسي يشتركون بنقاط كثيرة تسمح لهم بالتنسيق، وحتى بالاحتفال بفوز بعضهم البعض في الاستحقاقات الانتخابية. لكن نقاط الاختلاف ربما تكون أكثر أو أقوى من أن تسمح بتحالف طويل الأمد. موجة "ماغا" قد تتحطم على شواطئ أوروبا في نهاية المطاف.
نبض