اتصال ترامب وشي يخفّف التوترات... ولكن خلافات جوهرية لا تزال قائمة
في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، ساهم الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جينبينغ في إنقاذ الهدنة التجارية الهشة، رغم استمرار الخلافات العميقة بشأن قضايا استراتيجية شائكة.
واتفق الجانبان، خلال المكالمة الهاتفية التي طال انتظارها، على استئناف المحادثات التجارية التي توقفت بسبب اتهامات متبادلة بأن الطرف الآخر نكث بوعوده السابقة.
والمحادثة التي استمرت 90 دقيقة أدت إلى تهدئة موقتة في الخلاف المتصاعد بين القوتين العظميين، لكنها لم تقدّم مساراً واضحاً لحل خلافاتهما العميقة الجذور، لا سيما بشأن سلاسل التوريد التي يعتبرها الجانبان أمراً حيوياً للأمن القومي.
وقد اتهم مسؤولون أميركيون الصين بالتراجع عن تعهدها الذي قطعته خلال محادثات أيار/مايو في جنيف بتخفيف القيود على تصدير المعادن النادرة الضرورية لمجموعة واسعة من الصناعات. في غضون ذلك، استاءت بكين من تحركات واشنطن لتحذير الشركات من استخدام رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً في الصين، وتقييد مبيعات برامج تصميم الرقائق إلى الصين، و"إلغاء" تأشيرات الطلاب الصينيين "بشكل عدواني".
واتفق الجانبان الشهر الماضي في جنيف على خفض الرسوم الجمركية المضادة وتعليق الإجراءات المتبادلة لمدة 90 يوماً. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، رفع ترامب الرسوم الجمركية التي يدفعها المستوردون الأميركيون على البضائع الصينية إلى 145%. وردت الصين بفرض قيود على تصدير بعض العناصر الأرضية النادرة، وهي عناصر حيوية لمصنعي الأسلحة والسلع الاستهلاكية الإلكترونية في الولايات المتحدة، ورفعت الرسوم الجمركية على السلع الأميركية إلى 125%.
وفي مؤشر لتهدئة التوتر، تبادل الزعيمان دعوات لزيارة بعضهما البعض، ما من شأنه أن يتجه بالعلاقات الثنائية نحو الاستقرار. وقال ترامب إن زوجتيهما سترافقهما.
ولكن بعض المحللين نصحوا بعدم الإفراط في التفاؤل، مشيرين إلى عدم وجود تفاصيل بشأن القضايا التجارية الرئيسية.
على ماذا يراهن شي؟
وبعد أن قال ترامب إن شي "صعب المراس للغاية، ومن الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق معه"، أعلن الرئيس الأميركي عقب المكالمة أنه حصل على ما يريد، وهو "التزام باستئناف تصدير المغناطيسات الأرضية النادرة".
ولكن ليس من الواضح ما حصل عليه شي في المقابل، باستثناء وقف المزيد من الإجراءات العقابية الأميركية. ويبدو أن أحد النقاط القليلة الواضحة هو تأكيد الولايات المتحدة على ترحيبها بالطلاب الصينيين، وهي قضية مهمة في الصين، لكنها لا تفسر سبب اتصال شي بعد أن جعل ترامب ينتظر شهوراً.
بقبوله المكالمة الآن، يبدو أن شي يراهن على أن إعادة ضبط العلاقات ستؤدي إلى مكاسب ملموسة في الأسابيع والأشهر المقبلة، بما في ذلك تخفيضات في الرسوم الجمركية، وتخفيف القيود على الصادرات، واتخاذ نبرة أكثر لطفاً بشكل عام، بحسب وكالة "بلومبرغ".
ومع ذلك، فإن حصول شي على أي من ذلك يعتمد الآن على إدارة ترامب المعروفة بتقلبها الشديد.
وعلى الرغم من أن شي استعرض قوته بفرض قيود على المعادن النادرة، إلا أن لديه أسباباً تدفعه للجلوس إلى طاولة المفاوضات. خاصة وأن الصين تعاني من نقاط ضعف اقتصادية خاصة بها، وربما ترغب في تجنب الانفصال الكامل عن الولايات المتحدة. ويكافح اقتصاد البلاد من أجل التعافي من أزمة العقارات. وفي ظل معاناة الصين بالفعل من مستويات عالية من البطالة بين الشباب، قد يتحمل قطاع الصناعات التحويلية، وهو أحد المصادر الرئيسية للوظائف، العبء الأكبر من حرب تجارية تغلق السوق الأميركية وتصعد المخاوف في بقية أنحاء العالم بشأن تدفق الواردات الصينية الرخيصة.
رسالة من شي إلى ترامب
إضافة إلى ذلك، سعت الصين إلى تصوير المكالمة الهاتفية بين شي وترامب على أنها نداء من زعيم قوي إلى آخر من أجل إدارة الأمور بيد من حديد ومواصلة المسار المحدد، داعية ترامب إلى "كبح جماح الصقور الذين يحاولون عرقلة الهدنة"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
الزعيم الصيني قارن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بسفينة كبيرة، حيث يلعب الرجلان دور قبطانين قويين يمسكان الدفة بثبات للحفاظ على المسار الصحيح. وجاء هذا التشبيه مصحوباً بتحذير: لا تدعوا الآخرين يخرجون السفينة عن مسارها ويخاطرون بالعلاقة.
لأسابيع، بدا أن البيت الأبيض يضغط علناً من أجل إجراء محادثة مباشرة بين الزعيمين، وهو ما أكدته الصين بقولها إن شي وافق على المكالمة بناءً على طلب ترامب.
ومع تصاعد الضغط الأميركي على بكين بفرض قيود على التكنولوجيا وغيرها، ربما تكون الأخيرة قد رضخت جزئياً بسبب قلقها من نجاح الصقور المعادين للصين في الإدارة الأميركية بتقويض الهدنة، بحسب ما نقلت "نيويورك تايمز" عن محللين.
حرب "لا نهاية لها"
كذلك، كشفت المكالمة عن اختلافات صارخة في طريقة تعامل الولايات المتحدة والصين مع نزاعهما التجاري: يميل ترامب إلى التعامل مع التجارة كقضية أساسية ومستقلة، في حين أن بكين غالباً ما تنظر إليها في سياق العلاقات الثنائية الأوسع نطاقاً، بحسب شبكة "سي ان ان".
وقال ترامب، في منشوره على "تروث سوشيال"، إن المكالمة الهاتفية التي استمرت ساعة ونصف "ركزت بشكل شبه كامل على التجارة"، في حين أن البيان الصيني أبرز التحذير الصارم الذي وجهه شي بشأن تايوان - الخط الأحمر بالنسبة لبكين - ومسألة تأشيرات الطلاب الصينيين.
وحث الزعيم الصيني الولايات المتحدة على "التعامل مع مسألة تايوان بحكمة" حتى لا يتمكن "الانفصاليون الداعون إلى استقلال تايوان" من "جر الصين وأميركا إلى أرض المواجهة الخطيرة وحتى الصراع". فمن وجهة نظر بكين، هناك الكثير من العلامات المقلقة. وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث حذر أوائل حزيران/يونيو الحلفاء الآسيويين من أن الصين تشكل تهديداً "وشيكاً" لتايوان. كما أفادت وكالة رويترز، نقلاً عن مصادر رسمية أميركية، بأن واشنطن تخطط لزيادة مبيعات الأسلحة إلى تايبيه إلى مستوى يتجاوز ما كان عليه في ولاية ترامب الأولى.
ومن القضايا الأخرى التي تثير قلق بكين، مصير الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة. أوائل حزيران/يونيو، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المعروف بموقفه المتشدد تجاه الصين، عن خطة "لإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين بشكل صارم". ولكن بعد المكالمة، قال ترامب إن الطلاب الصينيين مرحب بهم في الولايات المتحدة. وقال للصحافيين في المكتب البيضوي: "الطلاب الصينيون قادمون. لا مشكلة. لا مشكلة. إنه لشرف لنا أن نستقبلهم".
نبض