المقاطعة الأميركية لقمة "العشرين" بجنوب أفريقيا: تقويض التعددية وإهمال الجنوب العالمي

دوليات 21-11-2025 | 06:16

المقاطعة الأميركية لقمة "العشرين" بجنوب أفريقيا: تقويض التعددية وإهمال الجنوب العالمي

لقمة جوهانسبرغ رمزية تاريخية فائقة: إنها المرة الأولى التي يُعقد فيها اجتماع قادة "العشرين" على أرض أفريقية.
المقاطعة الأميركية لقمة "العشرين" بجنوب أفريقيا: تقويض التعددية وإهمال الجنوب العالمي
شعار قمة مجموعة العشرين بجنوب أفريقيا 2025، جوهانسبرغ، 18 نوفمبر 2025. (أ ف ب)
Smaller Bigger

مقاطعة الولايات المتحدة قمة "مجموعة العشرين" في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا (22 و23 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، منعطف حاسم في ديناميكيات الحوكمة العالمية، في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة. فـ"مجموعة العشرين" منتدى غير رسمي يجمع 19 من أكبر الاقتصادات العالمية، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي المنضم في عام 2023، ويمثل قوة اقتصادية هائلة، إذ ينتج أعضاؤه نحو 85% من إجمالي السلع والخدمات في العالم، ويستحوذون على 75% من التجارة الدولية، ويعيش في بلدانهم ثلثا سكان الأرض.

 

أول رئاسة أفريقية

لقمة جوهانسبرغ رمزية تاريخية فائقة: إنها المرة الأولى التي يُعقد فيها اجتماع قادة "العشرين" على أرض أفريقية. كان على هذه القمة أن تأتي تتويجاً لرئاسة جنوب أفريقيا تحت شعار "التضامن، المساواة، والاستدامة"، ركزت على الأولويات الحيوية للجنوب العالمي، كتخفيف ديون الدول النامية، وتمويل التكيف مع تغير المناخ، وإصلاح الهيكل المالي العالمي ليكون أكثر إنصافاًـ ما عكس تحولاً أعمق في هيكل الحوكمة العالمية.

فالقمة تمنح القارة السمراء فرصة فعلية لوضع همومها على رأس الأجندة العالمية، وقرار واشنطن عدم المشاركة رسالة مفادها أن "الأولويات الأميركية لا تلتقي مع أولويات الجنوب العالمي بأكمله"، وأن "أجندة التعددية القطبية مرفوضة"، خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن مقاطعة كاملة للقمة، متجاوزاً إلغاء مشاركته الشخصية ليشمل نائبه جيه دي فانس، في خطوة وصفت بأنها "حادة"، سبقها امتناع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن حضور الاجتماعات التمهيدية لوزراء خارجية المجموعة في وقت سابق من هذا العام، علماً أن على الولايات المتحدة نفسها أن تتسلم الرئاسة الدورية للمجموعة من جنوب أفريقيا في نهاية العام.

 

الكرسي الأميركي سيبقى فارغاً. (أ ف ب)
الكرسي الأميركي سيبقى فارغاً. (أ ف ب)

 

مُعلن ومُضمر

تستند المقاطعة الأميركية إلى شبكة معقدة من الدوافع، تتداخل فيها الحسابات السياسية الداخلية مع الخلافات الجيوسياسية الثنائية. وربما علينا التمييز بين الذرائع المعلنة والأهداف الكامنة. فالسبب الظاهر للمقاطعة هو ما وصفه ترامب بأنه "انتهاكات لحقوق الإنسان" المزعومة ضد الأقلية البيضاء "الأفريكانية" في جنوب أفريقيا، المتحدرة من المستوطنين الهولنديين والأوروبيين الأوائل. فترامب يزعم أن هذه الأقلية تتعرض "للذبح والقتل ومصادرة أراضيها ومزارعها بشكل غير قانوني، ولن يحضر أي مسؤول حكومي أميركي ما دامت هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان مستمرة". إلا أن جنوب أفريقيا نفت ذلك بشكل قاطع، ووصفت تصريحات ترامب بأنها "مؤسفة"، كما قالت الخارجية الجنوب أفريقية إنه ادعاء "غير مدعّم بالحقائق"، فالبيض في البلاد يتمتعون بمستوى معيشة أعلى كثيراً من المقيمين السود بعد ثلاثة عقود من انتهاء نظام الفصل العنصري. كذلك، رفضت شخصيات "أفريكانية" الرواية الأميركية التي تصورهم ضحايا للاضطهاد العرقي في جنوب أفريقيا.

إلا أن وراء الأكمة حسابات جيوسياسية وديبلوماسية أخرى. فقرار واشنطن المقاطعة يتوج أشهراً من التوتر المتصاعد بين البلدين، على خلفية مقاضاة جنوب أفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة إبادة الفلسطينيين في غزة جماعياً، وبعد انتقادات حادة وجهتها الإدارة الأميركية لسياسات جنوب أفريقيا المتعلقة بتعديل الأراضي، فترامب يتهم قانون نزع الملكية بانتهاك حقوق الإنسان للمزارعين البيض. ويبدو أن إثارة قضية المزارعين البيض ورقة سياسية موجهة "للاستهلاك المحلي" تلامس "وتراً حساساً" لدى قاعدة ترامب المحافظة، إذ يصر على تقديم نفسه "مدافعاً عن الأقليات البيضاء عالمياً".

تداعيات على "العشرين"

غياب الولايات المتحدة، التي تعد أكبر اقتصاد في العالم، يقوض بشكل مباشر صدقية مجموعة العشرين كمنتدى للتعاون الاقتصادي العالمي وفعاليتها. تاريخياً، أدت المجموعة دوراً حيوياً في استقرار الأسواق المالية، لكن عندما ينسحب عضو رئيسي منها، فإن ذلك يشكك في قدرتها على تحقيق الإجماع. وتقر الدولة المضيفة أن هذا الغياب يثير المخاوف بشأن النجاح النهائي للقمة. فإن "ظاهرة الكرسي الفارغ" لعضو بحجم الولايات المتحدة تضعف القرارات المتخذة، خصوصاً أن المجموعة مصممة لتكون منتدى يجمع القوى الاقتصادية الكبرى كلها تحت سقف واحد، لضمان التنفيذ العالمي لقراراتها.

إلى ذلك، يمثل غياب واشنطن فرصة جيوسياسية سانحة للصين وروسيا اللتين "تتوقان إلى تحقيق تقدم في الجنوب العالمي". رغم غياب الرئيسين الصيني والروسي شخصياً، فإن المقاطعة الأميركية تُفسر بأنها إشارة إلى أن واشنطن "لا تهتم" بشواغل الجنوب العالمي، ما يسهل على بكين وموسكو تقديم نفسيهما داعمين موثوقين لقضايا تهم الدول النامية في أفريقيا وآسيا.

كذلك، ربما يكون الغياب الأميركي نعمة على القمة، لا نقمة. فرغم أنه يقلل من شأن القوة الإجمالية للقمة، فإنه في الوقت نفسه يسهل على الدول الأعضاء التوصل إلى توافق على قضايا خلافية كانت الولايات المتحدة تعرقلها. ففي ولاية ترامب الأولى، عانى العمل بشأن التغير المناخي من تأخير كبير بسبب مقاومة واشنطن، وغيابها اليوم يفتح المجال أمام الدول الأخرى للضغط من أجل توافقات أكثر طموحاً في ملفات مثل إصلاح الهيكل المالي العالمي وتضخم ديون الدول الأفريقية.

 

رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في الاجتماعات التحضيرية للقمة. (أ ف ب)
رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في الاجتماعات التحضيرية للقمة. (أ ف ب)

 

ماذا عن أميركا؟

يخلق قرار المقاطعة تناقضاً واضحاً بين المكاسب السياسية القصيرة المدى التي تحققها إدارة ترامب وقاعدتها الانتخابية، وبين الخسارة الاستراتيجية الطويلة المدى للنفوذ الأميركي على الساحة العالمية.

على المدى القصير، تحقق المقاطعة هدف ترامب في إرسال رسالة قوية لقاعدته الشعبية بأنه يضع المصالح الأميركية فوق الالتزامات المتعددة الأطراف، ويقلل من الالتزامات المالية والديبلوماسية لواشنطن، وتسمح للإدارة الأميركية بتجنب الانخراط في مفاوضات قد تفرض عليها التزامات صعبة بشأن ملفات خلافية جوهرياً، مثل تخفيف ديون الدول النامية أو تمويل التكيف المناخي. ولا ننسى أن إثارة قضية الاضطهاد المزعوم لـ"الأفريكانيين" تثير حماسة القاعدة المحافظة لترامب، وهذا يخدم أجندته الانتخابية المستقبلية.

على المدى الطويل، ربما تكون الخسارة استراتيجية. فالمكاسب الفورية هذه تأتي على حساب النفوذ الاستراتيجي للولايات المتحدة في القارة الأفريقية، التي تشهد تنافساً جيوسياسياً حاداً. في رأس الخسائر التي ستمنى بها إدارة ترامب تآكل القوة الناعمة والنفوذ في أفريقيا. فالمقاطعة وجه من وجوه الإهمال الديبلوماسي، يهدد بتقويض النيات الحسنة التي قد تتمتع بها الشركات الأميركية في القارة، وهذا قد يدفع الجهات الفاعلة في الجنوب العالمي إلى التحول نحو البدائل الصينية.

كذلك، واشنطن مهددة بخسارة القدرة على صوغ الأجندة العالمية، وتوجيه قرارات المجموعة، وغياب المدخلات الأميركية في مسألتي إصلاح الهيكل المالي العالمي ومعالجة الديون يعني أن القرارات المتخذة لا تخدم مصالح واشنطن الاقتصادية والاستراتيجية.

 

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا