هل من ممداني آخر في مكان آخر؟

دوليات 06-11-2025 | 10:03

هل من ممداني آخر في مكان آخر؟

ما يميّزه حتى الساعة اعتماده على نموذج مدفوع بالحركة، تقوده منظمة الاشتراكيين الديموقراطيين في نيويورك، لا على آلة الحزب الديموقراطي التقليدية.
هل من ممداني آخر في مكان آخر؟
ممداني خطيباً بعد فوزه بمنصب عمدة نيويورك (أ ف ب)
Smaller Bigger

صُنّف فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك انتصاراً ليسار متمرّد في "الجيوب الزرقاء العميقة" (Deep-Blue Enclaves) الأميركية، وتكمن أهميته في ثلاث: هويته، وخطابه الاقتصادي الراديكالي، وحركته السريعة. فقد استغل انتماءه إلى الأقلية المسلمة الشيعية ليكون ناقلاً مباشراً للتعبئة الشعبية، من دون التركيز على إسلامه، بل سرّب ذلك ضمن هويته مهاجراً وناشطاً يسارياً يعارض نخبة ترامب المالية بقوة. وهذا ما صدح به في خطاب الفوز: "نيويورك اليوم يقودها مهاجر"، معتمداً "تقاطع الهوية والطبقة"، ومتبنياً نموذج "أجندة الوفرة" الذي يسعى لزيادة الإنتاج العام للسلع والخدمات الأساسية لضمان حياة مجتمعية كريمة.

ما يميّزه حتى الساعة اعتماده على نموذج مدفوع بالحركة، تقوده منظمة الاشتراكيين الديموقراطيين في نيويورك، لا على آلة الحزب الديموقراطي التقليدية، مجسداً رؤيته في أن النجاح لا يعتمد على شعبية المرشح وحده، بل على بنية تحتية تحوّل الإحباط إلى قوة سياسية مستدامة.

واجه خصومُه صعوبةً في إمداد أهالي نيويورك ببديل مقنع. كانت حملة الحاكم السابق أندرو كومو مثقلة بإرث مزاعم التحرش الجنسي التي أدت لاستقالته من منصبه، وهذا أضعف قدرته على تقديم نفسه مرشحاً يتحلى بصدقية أخلاقية. في الوقت نفسه، لم تنجح حملات التخويف التي قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وداعموه - شملت وصف ممداني بـ "الشيوعي"  ونعته بنعوت سلبية مثل "SCAMDANI" - في تخويف ناخبيه أو صرفهم عن تركيزه هو على قضايا اقتصادية محلية تهمهم أكثر مما تهمهم السياساة الخارجية.

 

رأي
جهاد بزي
"العمدة" زهران ممداني… الاشتراكي الذي لا يتمناه الديموقراطيون وجهاً لحزبهم
رفض زهران ممداني التبرعات من شركات وعقارات ولوبيات ضغط، وأنزل جيشاً من المتطوعين المتحمسين ليقرعوا على الأبواب حتى إيصاله إلى الناس.

 

يقف ممداني إلى يسار حزبه الديموقراطي في تعاطيه مع هذه الـ "قضايا اقتصادية محلية": أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أن ثلاثة من كل أربعة ناخبين يرون أن تكلفة الإيجار السكني "مشكلة رئيسية". لذا وعد ممداني بتجميد الإيجارات لأكثر من مليوني مستأجر بوحدات خاضعة للتنظيم، وتوفير رعاية شاملة للأطفال، وزيادة الحد الأدنى للأجور... وذلك كله من الضرائب المفروضة على الأثرياء، وهذا تركيز يفسر قدرته على بناء ائتلاف يتجاوز حدود اليسار المتطرف التقليدية. 

فقد نجح في استغلال القلق الاقتصادي النيويوركي، مقدماً وعوداً ملموسة لطبقة عاملة شابة منهكة مالياً، خلافاً لما فعلته "المؤسسة الديموقراطية" إذ تمسكت بأجندة اقتصادية ما عادت تلبي احتياجات الناخبين. فأتى التصويت لممداني – جوهرياً - تصويتاً ضد العجز الرسمي، حتى عند الديموقراطيين، على مواجهة الجمود الاقتصادي.   

هيمن ممداني على أحياء تعاني ضغوط الإيجار العالية، والتركز السكاني للطبقات الشابة والمهنية الجديدة في شمال بروكلين (ويليامزبرغ وغرين بوينت وبيد-ستوي)، والمناطق التقدمية في كوينز (أستوريا ولونغ آيلاند سيتي وسانسايد)، فيما احتفظ كومو بمناطق أشد ثراءً في مانهاتن (أبر إيست سايد وترايبيكا) وأحياء تميل إلى المحافظة الاجتماعية والمالية في جنوب بروكلين (بورو بارك وشيبسهيد باي) وستاتن آيلاند كلها. هذه الخريطة دليل على أن ممداني دخل الـ "سيتي هول" من بوابة "نيويورك عصرية" تعاني تهميشاً اقتصادياً واضحاً.

 

زهران ممداني في إحدى جولاته الانتخابية قبل فوزه على منافسيه بمنصب عمدة مدينة نيويورك (أ ف ب)
زهران ممداني في إحدى جولاته الانتخابية قبل فوزه على منافسيه بمنصب عمدة مدينة نيويورك (أ ف ب)

 

يرى كثيرون في هذا الفوز مخططاً قابلاً للتطبيق، متاحاً لحركات سياسية تسعى إلى تحدّي المؤسسات الراسخة ومواجهة التحالفات السياسية المتغيرة والقلق الاقتصادي المتزايد. هذا ممكن، ولكن! سبقه صادق خان المسلم فكان عمدة لندن، لكنه نموذج لنجاح الوسطية الليبرالية ضمن حزب العمال، فيما يتمرد ممداني طالباً "الحوكمة التحويلية".

وتختلف الديناميكيات الأوروبية عن نظيرتيها البريطانية والأميركية، في ظل تعددية حزبية وتفاقم الإسلاموفوبيا وصعود اليسار القومي، خلافاً لليبرالية نيويورك. ويتمثل التحدي الأكبر لنموذج ممداني العولمي بأوروبا في المنافسة الأيديولوجية من هذا اليسار القومي. ففيما يركز ممداني على شعبوية اقتصادية عابرة للجنسيات والأعراق، تركز الأحزاب "المنتصرة" في أوروبا على الهوية والتهديد الثقافي. وحده تحالف سارة فاغنكنشت بألمانيا دمج القيم الاقتصادية الاشتراكية والمحافظة الثقافية والاجتماعية.

 

ممداني مستعد للتباحث مع ترامب في كلفة المعيشة
مازح المشرّع الأميركي المسلم الذي أدهش صعوده السريع المراقبين، الصحافيين خلال إحاطة بالقول إنَّ "البيت الأبيض لم يتواصل معي لتهنئتي".

 

يمكن الحركات الأوروبية أن تستنسخ استراتيجيات ممداني في التعبئة (التركيز على الطبقة والهوية... وقضية غزة) لضمان دخول عدد أكبر من النواب التقدميين إلى البرلمانات الوطنية أو الإقليمية. مع ذلك، وبسبب التعددية الحزبية وقيود الأنظمة البرلمانية، فإن نجاحهم يمنحهم نفوذاً لكنه لا يمنحهم "سلطة تنفيذية تحويلية" على غرار ما يمكن أن يحققه عمدة نيويورك.

لا يقدم ممداني وصفة فوز فورية، وإنما يرسم استراتيجيا واسعة، يتطلب نجاحها في أوروبا تكييفها لتتجاوز حواجز هيكلية وسياسية فرضها تهديد اليسار القومي، ولتتجنب استقطاباً ثقافياً يخدم خطاب اليمين.  

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا