العلاقة التركية – الإسرائيلية وميادين النفوذ... هل يقع الاشتباك؟
علاقة جدلية تربط إسرائيل وتركيا. سباق على النفوذ بدأ من سوريا، وباتت غزّة واحدة من ميادينه. لكن التنافس محكوم بالتنسيق لتفادي الاصطدام، لكون الأرضيات المشتركة بين الطرفين كثيرة، وانطلاقاً من العلاقة القوية التي تربط أنقرة وتل أبيب بواشنطن، التي توزّع الأدوار في الشرق الأوسط ومنطقة غربي آسيا تحديداً، بعد المتغيرات الاستراتيجية التي طرأت.
ثمّة محلّلون يشيرون إلى أن تركيا ترث تركة إيران السياسية في الإقليم، وتحاول بسط نفوذها في بعض الساحات التي كانت محسوبة سابقاً على الإيرانيين، كسوريا وغزّة بشكل نسبي. وطّدت تركيا علاقتها مع السلطات السورية الجديدة، ونشّطتها مع "حماس"، وصعّدت من حدّة الصراع مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، لكنها تمكّنت من اكتساب موقع على خريطة الطريق الأميركية للشرق الأوسط.
كانت تركيا عاملاً محورياً في التوصّل إلى قمّة شرم الشيخ. وتشير التقارير، بينها تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إلى أن تركيا ضغطت على "حماس" لتوقيع الاتفاق. كان المقابل منح الولايات المتحدة تركيا موقعاً في ما يسمّى "اليوم التالي" لغزّة، والمنطقة بشكل عام. لكن العين اليوم ترقب مقاربة إسرائيل للدور التركي المتطور في ظلّ العلاقة التنافسية.
الباحث الأول في المجلس الأطلسي في واشنطن، سمير التقي، يتحدّث لـ"النهار" عن علاقة تركيا وإسرائيل الجدلية، فيقول إن التناقض بين الطرفين ليس "صفرياً"، بل هو "تناقض بنّاء"، وصراع على تقسيم العمل في الإقليم. ويشير إلى أن أنقرة "أيّدت" حركة "حماس" في حرب غزّة، لكنها في الوقت عينه "لم تتدخّل" في الاشتباك بين طهران وتل أبيب؛ وهذا "أمر حيوي" بالنسبة إلى إسرائيل الراغبة في "تحجيم" إيران.
ترى تركيا في "حماس" حليف نفوذ في غزّة، قادرة من خلالها على الضغط على إسرائيل، وحجز مقعد على طاولات التسويات. ومن هذا المنطلق كانت أنقرة جزءاً من اتفاق شرم الشيخ. بالتالي، فإن تركيا لا ترى مصلحة في إنهاء "حماس"، بل تريد تعزيز أهميتها السياسية انطلاقاً من دور سياسي لها في غزّة. الجهد التركي يصبّ في خانة التعاون التركي – الأميركي لترتيب منظومة العمل في المنطقة.
سوريا: أبرز ميادين التنافس
الملفّ السوري أرضيّة مشتركة أخرى بين إسرائيل وتركيا. تريد أنقرة دمشقَ حليفاً وطيداً ولاعباً ضمن معادلتي أمن تركيا القومي وسوق الطاقة العالمية، لكون موقع سوريا الجغرافي استراتيجي بالنسبة إلى خطوط الغاز، التي ستمتد من الخليج العربي نحو أوروبا، والتي تريد تركيا أن تمرّ عبر أراضيها. في المقابل، فإنّ تل أبيب لديها مطامع مماثلة في سوريا مرتبطة بالأمن وأنابيب الغاز والمياه أيضاً.
التنافس على المطامع نفسها في سوريا قد يصعّد من حدّة التنافس بين الطرفين لتحقيق المكتسبات. في الملف السوري، يشير التقي إلى أن تركيا وإسرائيل "تعاونتا" على إسقاط نظام بشّار الأسد "بشكل وثيق"، وتركيا توسّطت بين إسرائيل وسوريا في أذربيجان، ضمن الفكرة التي يشدّد عليها التقي، وتقوم على التناقض "البنّاء" والصراع على تقسيم العمل.
يستبعد التقي وقوع مجابهة بين إسرائيل وتركيا. وبتقديره أن تركيا ستقدم بسرعة لتصبح القوة المهيمنة على تصدير الطاقة من وسط آسيا كـ "جزء من تقسيم العمل" مع إسرائيل والخليج ومصر. ومن هذا المنطلق، تصبح التناقصات حول غاز المتوسط "طفيفة"؛ وهذا سر التقارب التركي المصري الأخير، وفق التقي، ما يقلّل من احتمالات حصول الاشتباك.
تفويض أميركي؟
سبق لإيران أن تحرّكت بضوء أخضر أميركي في الشرق الأوسط. سلّحت فصائل موالية لها، وتمكّنت من تطوير برنامجها النووي، وعقد المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، اتفاقاً معها. كان لطهران دور مرسوم في المنطقة، هدفه زعزعة الاستقرار، لتكثيف عمليات بيع السلاح الأميركي في المنطقة، ودفع خصومها إلى الاقتراب نحو المحور الغربي، وتعميق الشراكات معه، والتطبيع مع تل أبيب.

الدور الذي تمنحه الولايات المتحدة لتركيا كبير على الساحة الدولية، من الصراع في أوكرانيا إلى الحرب في غزّة. يرى التقي أن تركيا تمكّنت من إعادة تثبيت "أهميتها الحيوية" بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وصارت طرفاً لا يمكن الاستغناء عنه. وأنقرة تلعب دوراً في جهود واشنطن لإعادة تأهيل طهران كـ"شريك"، لا لتكون "لاعباً مخرباً"، وبالتالي تريد حصّتها.
في المحصّلة، فإن العلاقة جدلية إلى أبعد الحدود بين تركيا وإسرائيل، وإن كان من المستبعد أن تتخذ شكل العلاقة الإسرائيلية – الإيرانية في المدى المتوسط، لكونها تقوم على توزيع الأدوار وليس على التنافس عليها؛ وذلك بتنسيق أميركي. لكن هذا الواقع لا يلغي احتمالات وقوع الصدام بين أنقرة وتل أبيب إذا تضاربت المصالح ولم تنجح التسويات، خصوصاً على المدى البعيد.
نبض