من رايش إلى روبيو: سياسة المنفى تحرك السياسة الخارجية الأميركية
كاثرين سورنسون*
ليس من قبيل الصدفة أن يكون استعراض القوة العسكرية الأخير للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية مشابهاً بشكل لافت لإجراءاتها تجاه جاراتها الجنوبية التي بدأت في ذروة الحرب الباردة واستمرت حتى أوائل القرن الحادي والعشرين.
في الشهرين الماضيين وحدهما، شنت الولايات المتحدة سلسلة من الضربات ضد قوارب يُزعم أنها تنقل المخدرات في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصاً. وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، اشتدت التوترات أكثر مع قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنشر حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى جانب السفن الحربية والطائرات المرافقة لها في أميركا اللاتينية في استعراض واضح للقوة. ونظراً لحجم هذا التصعيد العسكري الأخير، من الصعب تجاهل التصور المتزايد بأن نية واشنطن غير المعلنة هي زيادة الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وربما حتى التخطيط للإطاحة به.
ورغم أن ترامب نفسه كان من أشد منتقدي مادورو طوال ولايته الأولى ومنذ بداية ولايته الثانية، إلا أنه يمكن القول إن لا أحد من أعضاء إدارته كان أكثر بروزاً في تشكيل موقفها العدائي تجاه فنزويلا من وزير الخارجية ماركو روبيو.
وروبيو، وهو ابن لاجئين كوبيين، جعل منذ فترة طويلة معارضة الأنظمة اليسارية في أميركا اللاتينية مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا حجر الزاوية في هويته السياسية الخارجية. وعندما تولى ترامب منصبه، استغل روبيو نفوذه لجعل فنزويلا أولوية حاسمة في السياسة الخارجية، بحجة أن مواجهة مادورو تردع نظاماً استبدادياً خطيراً في الخارج وستجذب الجاليات الفنزويلية والكوبية الكبيرة في فلوريدا في الداخل.

ليست سابقة
ومع ذلك، فإن صعود السناتور كأحد المخطّطين الرئيسيين لسياسة الإدارة الأميركية تجاه فنزويلا ليس أمراً غير مسبوق. فقبل ما يقرب من أربعة عقود، مارس مسؤول كوبي أميركي آخر سلطة مماثلة على أجندة الرئيس تجاه أميركا اللاتينية واستخدمها لتعزيز رؤية متشددة مماثلة. كان ذلك الرجل هو أوتو رايش.
ولد رايش في هافانا عام 1945 لأب نمساوي وأم كوبية، وهرب إلى الولايات المتحدة بعد الثورة الكوبية حيث سرعان ما أثبت نفسه كأحد أشد المناهضين للشيوعية في واشنطن. وفي عهد الرئيس رونالد ريغان، ترأس رايش مكتب الديبلوماسية العامة من 1983 إلى 1986، وهو ذراع دعائية سرية وانتقده الكونغرس لاحقاً لتلاعبه بالتغطية الإخبارية من أجل حشد الدعم لتدخل الولايات المتحدة في أميركا الوسطى. في عام 1986، عيّنه ريغان سفيراً في فنزويلا، حيث ضغط على الرئيس الفنزويلي آنذاك خايمي لوسينشي لاتخاذ موقف أكثر حزماً ضد كوبا والساندينيين في نيكاراغوا، مما أثار انتقادات في كاراكاس لما اعتبره المسؤولون تدخلاً صريحاً في الشؤون الداخلية.
لكن موقف رايش المعادي للأنظمة الاشتراكية في أميركا اللاتينية لم يتوقف عند هذا الحد. في عام 2002، أُخذ عليه، بصفته مساعد وزير الخارجية لشؤون نصف الكرة الغربي في إدارة جورج بوش الأب، استقباله مسؤولين فنزويليين في الأشهر التي سبقت المحاولة الفاشلة لإطاحة هوغو تشافيز من السلطة. عندما عاد تشافيز إلى منصبه بعد 47 ساعة فقط من إطاحته، سارعت الولايات المتحدة إلى النأي بنفسها عن الحادثة، ونفت أي معرفة مسبقة أو أي تورط فيها.
تشابه مذهل
التشابه بين رايش وروبيو مذهل. الإثنان سياسيان أميركيان كوبيان حولا خلفيتيهما كمنفيين إلى أفعال شكلت السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وكلاهما اعتبر الأنظمة اليسارية في المنطقة تهديدات أيديولوجية يجب مواجهتها بالقوة بدلاً من الديبلوماسية. وكلاهما عمل تحت قيادة الرؤساء - ريغان وبوش وترامب - الذين فوضوا جزءاً كبيراً من استراتيجيتهم تجاه أميركا اللاتينية إلى أولئك المستعدين للتصرف بحزم.
إن فهم أوجه التشابه هذه ليس مجرد تمرين في المقارنة التاريخية. إنه أمر مهم لأن الأولويات الشخصية والحوافز السياسية للشخصيات الرئيسية غالباً ما تحدد السياسة الخارجية بشكل أعمق من الرؤساء الذين يخدمونهم.
بالتأكيد، لا يوجد سياسي أميركي قادر وحده على توجيه السياسة الخارجية. وكما أنه تبسيط مفرط أن نعزو الموقف العدائي لإدارتي ريغان وبوش تجاه فنزويلا إلى رايش وحده، فإنه من المضلل وصف روبيو بأنه المخطط الوحيد وراء الموقف العدائي المتزايد للولايات المتحدة حيال البلد نفسه. ومع ذلك، فإن تجاهل كيفية توجيه الأفراد للسياسة سيكون قصير النظر بالقدر نفسه. ففهم أولويات أولئك الذين يشكلون القرارات أمر ضروري لفهم تداعيات القرارات نفسها.
حاولت الولايات المتحدة تجاوز إرثها من حقبة الحرب الباردة المتمثل في التدخل في شؤون الحكومات في أميركا اللاتينية، إلا أن دعوات روبيو إلى اتباع سياسة أكثر عدوانية تجاه البلدان التي يعتبرها بقايا الأيديولوجية الشيوعية في نصف الكرة الغربي تهدد بإعادة السياسة الخارجية الأميركية إلى أنماط التدخل التي تدعي أنها تخلت عنها. ويوضح صعوده، مثل صعود رايش قبله، كيف يمكن لمصالح الأفراد الأقوياء وخلفياتهم أن تحافظ على استمرار العادات القديمة في السياسة الخارجية.
*صحافية أميركية
نبض