يعتبر شلل الأطفال أحد الأمراض الفيروسية الأكثر خطورة، خصوصاً أنه لا يتوافر له بعد أي علاج حتى اليوم ويمكن أن يودي بحياة بعض الأطفال. بالعودة ثلاثة عقود إلى الوراء، كان المرض متفشياً في أكثر من 125 بلداً وكان يتسبب بشلل قرابة 1000طفل في اليوم. وفي عام 1985 تأسست المبادرة العالمية التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية لاستئصال شلل الأطفال بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبفضل الجهود العالمية والتوسع في حملات التلقيح لتطال أكثر من 3 مليارات طفل خلال الـ40 سنة الماضية انخفضت معدلات شلل الأطفال بنسبة 99,9 في المئة. إلا ان الخطر لا يزال موجوداً ما يستدعي بذل المزيد من الجهود لمنع تفشيه من جديد.
وهذا ما تم التشديد عليه في لقاء أقيم قبيل الفعالية العالمية التي تقام في أبوظبي لجمع التمويل اللازم ودعم الالتزامات الدولية الجديدة الهادفة إلى تسريع الجهود للقضاء على شلل الأطفال نهائياً وهي الفعالية الثالثة التي تستضيفها أبوظبي بعد فعاليتي عامي 2013 و2019 اللتين ساهمتا بجمع تبرعات بلغت قيمتها 6,6 مليارات دولار دعماً للجهود العالمية لاستئصال شلل الأطفال.

لماذا لا يزال خطر شلل الأطفال موجوداً؟
رغم التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مكافحة شلل الأطفال، لا يزال الخطر موجوداً في ظل النزاعات والأزمات الاقتصادية. فهذه الظروف تهدد ما كان من الممكن تحقيقه في مكافحة المرض بحسب مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني. ففي المناطق الأكثر هشاشة التي تشهد نزاعات وأزمات، لا يزال الأطفال يصابون بالشلل. لذلك، لا يزال خطر انتشاره عالمياً قائماً بمجرد أن الفيروس لا يزال موجوداً في أماكن معينة. وتجدر الإشارة إلى أن الفيروس لم يعد متوطناً إلا في باكستان وأفغانستان. ففي عام 2025، تم تسجيل 30 حالة من النوع الأول في باكستان و9 في أفغانستان. وكانت الهند أعلنت أنها خالية منه عام 2014 وأعلنت افريقيا أنها خالية منه عام 2020.
مبادرات في مواجهة شلل الاطفال
في عام 1988 أطلقت منظمة الصحة العالمية المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال واستطاعت أن تكافحه وتخفض معدلاته بنسبة 99,9 في المئة على مستوى العالم. ومن عام 2014، أطلقت حملة الإمارات للتطعيم، وقدّم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أكثر من 525 مليون دولار أميركي دعماً للنشاطات والجهود المرتبطة بالقضاء على المرض ودعم المبادرة العالمية لاستئصاله. ومنذ إطلاق الحملة، أمنت أكثر من 850 مليون جرعة لقاح، خصوصاً في المجتمعات البعيدة. وفي عام 2024، جرى تطعيم أكثر من 17 مليون طفل في في 85 منطقة عالية الخطورة في باكستان. وقد شكلت حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال جزءاً من البرنامج الإماراتي لمساعدة باكستان وتعمل بالشراكة مع الحكومة الباكستانية لدعم الجهود الوطنية لمكافحة المرض.
لكن في السنوات الأخيرة، زادت التحديات بسبب انعدام الأمن والاستقرار السياسي وضعف البنية الصحية في المناطق الموبوءة وصعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية إلى كل طفل من دون استثناء. أما القضاء على المرض نهائياً، فيستدعي توفير الأدوات والخبرات مع استمرار التمويل والإرادة السياسية. لذلك، تهدف المبادرة التي تطلق في أبوظبي إلى تعزيز الجهود لبلوغ الهدف التاريخي المتمثل في تأمين عالم خال من شلل الأطفال. في الندوة التي أقيمت حول هذه المبادرة بوجود قياديين من المبادرة العالمية ومن مؤسسة الشيخ محمد بن زايد ، أشار مدير برنامج استئصال شلل الأطفال في اليونيسف ستيفن لورييه إلى أن منذ إطلاق المبادرة كانت هناك إنجازات كبرى كان من الممكن تحقيقها على مستوى العالم بالتعاون بين كل الشركاء ومنهم منظمة الصحة العالمية وغافي ومؤسسة غايتس واليونيسف على أمل التوصل إلى القضاء على المرض بشكل تام. إلا أن التحديات كثيرة اليوم في دول عديدة، خصوصاً في أنظمة هشة يمكن أن يتفشى فيها الفيروس، خصوصاً أفغانستان وباكستان وبعض الدول التي لديها بعض أنواع الفيروسات وأطفال لم يتلقوا اللقاح. والمشكلة الأساسية التي يواجهها العالم أن مرض شلل الأطفال لا يعرف حدوداً. وفي حال عدم مواصلة الجهود للقضاء عليه، سيكون هناك أكثر من 20 مليون طفل قد يصابون به. من هنا أهمية إيجاد السبل والالتزام التام لمواجهة المرض بشتى الطرق، وتهدف الفعالية التي أقيمت في أبوظبي إلى إعادة التشديد على أهمية الإلتزام، ليس بالتمويل فحسب، إنما الالتزام السياسي أيضاً للتخلص من هذا المرض الخطير. ومن خلال البرنامج الإماراتي كان من الممكن تلقيح ما لا يقل عن 400 ألف طفل.
وتحدثت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة حنان بلخي مشيرة إلى أن هذا المؤتمر في أبوظبي يأتي في مرحلة مفصلية للقضاء على شلل الأطفال، وبعد التفشي الذي حصل في عام 2023، هناك انخفاض في معدلات التفشي، لكن الوضع لا يبدو مستقراً ومن المهم العمل بمزيد من الفاعلية في مواجهة انتقال الفيروس وأيضاً تفشي فيروس شلل الأطفال المتحور في المحافظات الشمالية من اليمن وفي جنوب ووسط الصومال وجيبوتي ومصر، فيما يمكن للفيروس استغلال أي ثغرات في المناعة السكانية والتحصين وفق ما أوضحت بلخي. ومن هنا أهمية تكثيف جهود الدول في التحصين، خصوصاً في المناطق الأكثر عرضة. ففي غزة مثلاً كان من الممكن وقف التفشي من خلال 3 جولات من التلقيح خلال أشهر. ومن المبادرات الهادفة إلى مواجهة المرض عبر التمويل تلك التي أطلقتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي نتيجة مؤتمر أبو ظبي لتأمين التمويل اللازم أعلن القادة الدوليون تأمين 1,9 مليار دولار أميركي لهذه الغاية. وبفضل هذه المبالغ يمكن تلقيح 370 مليون طفل سنوياً وتعزيز قدرات الأنظمة الصحية في مواجهة المرض.
نبض