صحة وعلوم 21-12-2025 | 10:26

الإفطار أهم... باحث في هارفارد يتحدث إلى "النهار" عن علاقة توقيت الوجبات بصحة كبار السن

توقيت تناول الطعام قد يكون مهماً بقدر نوعيته، بل ربما يشكّل إشارة مبكرة إلى اضطرابات صحية كامنة أو إلى خلل في انتظام الإيقاع الحيوي للجسم.

القاهرة - عبدالحليم حفينة

المصدر: "النهار"

الإفطار أهم... باحث في هارفارد يتحدث إلى "النهار" عن علاقة توقيت الوجبات بصحة كبار السن

يقدم موعد الوجبات مؤشراً إلى صحة كبار السن

لطالما حظيت نوعية الطعام وكميته بالنقاش الطبي، بينما ظل توقيت الوجبات سؤالاً ثانوياً. لكن دراسة حديثة قادها الدكتور حسن دشتي وزملاؤه، وهو أستاذ مساعد في كلية الطب في جامعة هارفارد وباحث في التغذية والأحياء الإيقاعية في مستشفى ماساتشوستس العام أن توقيت تناول الطعام قد يكون مهماً بقدر نوعيته، بل ربما يشكّل إشارة مبكرة إلى اضطرابات صحية كامنة أو إلى خلل في انتظام الإيقاع الحيوي للجسم.
وقد نشرت الدراسة في مجلة Communications Medicine مطلع أيلول/سبتمبر الماضي.
في حوار خاص أجرته "النهار" مع دشتي نقترب أكثر من خلفيات الدراسة ودلالاتها، ونفهم كيف يمكن لوجبة الإفطار أن تتحول من مجرد بداية لليوم إلى مقياس دقيق لصحة الشيخوخة.
كبار السن في بؤرة الاهتمام
يبدأ دشتي حديثه لـ"النهار" من ملاحظة أساسية: "معظم الأبحاث السابقة حول توقيت الوجبات ركزت على فئات أصغر سناً أو على العاملين في نوبات ليلية، بينما ظل كبار السن خارج الصورة. ويقول: "كبار السن يمرون بتغيرات صحية وحياتية أعمق، لكننا لم نكن نعرف الكثير عن كيف يتغير توقيت وجباتهم مع العمر. دراستنا هدفت إلى سد هذه الفجوة من خلال تحليل بيانات تمتد لعقود".
نتائج الدراسة كانت لافتة، فمع التقدم في العمر، يميل الناس إلى تأخير وجبتي الإفطار والعشاء وتقليص الفترة الزمنية التي يتناولون فيها الطعام يومياً. والأهم أن تأخير الإفطار تحديداً ارتبط بزيادة خطر الوفاة، إضافة إلى مؤشرات مثل التعب والاكتئاب، وضعف جودة النوم.
هنا يؤكد دشتي أن الإفطار هو الحلقة الأكثر حساسية: "قد يعكس توقيت الإفطار تغيّرات فسيولوجية أساسية، مثل: انخفاض الشهية، أو التعب، أو مشكلات صحية تجعل بدء اليوم أصعب. لذلك وجدنا أن ارتباطه بالصحة أقوى من الغداء أو العشاء".

الإفطار المتأخر.. إشارة لا سبب
هل يعني ذلك أن الوجبات المتأخرة تسبب المرض؟ يوضح دشتي أن العلاقة أعقد من ذلك: "الاكتئاب أو مشكلات الفم أو الأرق قد تجعل الأكل متأخراً أو مؤلماً. لذلك فإن توقيت الوجبات، بخاصة الإفطار، قد يكون مجرد إشارة مرئية إلى وجود مشكلات صحية كامنة أكثر من كونه سبباً مباشرا".
هذه الرؤية تفتح باباً جديداً أمام الأطباء. فبدل أن يركزوا فقط على التحاليل أو الأعراض التقليدية، يمكنهم النظر أيضاً إلى مواعيد الطعام. ويضيف دشتي: "نحن لا نقدم توصيات سريرية نهائية بعد، لكننا نعتقد أنه قد يكون من المفيد للأطباء أن يسألوا مرضاهم إن كانوا لاحظوا تغيّراً في مواعيد وجباتهم. التحول نحو وجبات متأخرة قد يكون إنذاراً مبكراً".
وعن أنظمة الصيام المتقطع المنتشرة، يوضح دشتي أن دراسته لم تختبرها مباشرة، لكنه يرى أن النتائج مختلفة لكبار السن: "الصيام المتقطع له فوائد مثبتة، لكن بالنسبة إلى كبار السن فإن الحفاظ على مواعيد ثابتة ومنتظمة للوجبات يبدو أكثر أهمية للصحة من فكرة الصيام بحد ذاتها".
رسالة عالمية ونصائح عملية
رغم أن الدراسة أُجريت في المملكة المتحدة، يرى دشتي أن نتائجها تتجاوز الحدود الجغرافية وتحمل دلالة عالمية. يقول: "توقيت الوجبات يتأثر بالثقافة والعادات الاجتماعية؛ ففي بلدان الشرق الأوسط أو حوض البحر المتوسط يُتناول العشاء عادة في وقت متأخر، بينما تميل مجتمعات شمال أوروبا إلى وجبات أبكر.
مع ذلك، يبدو أن العلاقة بين تغيّر مواعيد الوجبات والصحة العامة ظاهرة مشتركة عالمياً؛ فظهور مرض جسدي أو نفسي جديد قد يؤدي إلى تأخر الإفطار، وهو ما يرتبط بدوره بزيادة طفيفة في خطر الوفاة".

أما النصيحة العملية التي يقدّمها دشتي فهي بسيطة لكنها جوهرية: "الانتظام أهم من الالتزام الصارم بالساعة. تناول الوجبات في أوقات متقاربة كل يوم أكثر فائدة من الحرص على وقت محدد بدقة بدون انتظام".
الأهم، كما يوضح الأستاذ المساعد في كلية الطب في جامعة هارفارد، هو معالجة الأسباب التي تعيق الانتظام في مواعيد الوجبات، مثل التعب أو الاكتئاب أو مشكلات الفم. ويضيف أن ربط الوجبات بروتين يومي بسيط — كالمشي الصباحي أو تناول الطعام مع الآخرين — يمكن أن يساعد بدرجة كبيرة في الحفاظ على نمط غذائي أكثر استقراراً ودعم صحة أفضل على المدى الطويل.
ويختم دشتي بالتأكيد أن الإفطار يستحق مكانته في المقولة القديمة: "الإفطار أهم وجبة في اليوم، بخاصة لكبار السن. ليس فقط لأنه يمنح طاقة لبدء اليوم، بل لأنه قد يكون مؤشراً مبكراً إلى الصحة وطول العمر".