لقاحات الأطفال أساس الصحّة: حاجة مستمرة إلى التوعية
في ظل جائحة كورونا، تراجعت معدلات التلقيح في مختلف أنحاء العالم، بسبب الظروف التي رافقت تلك المرحلة أولاً، ثم نتيجة المخاوف المرتبطة باللقاحات عامةً، بعد كلّ ما أثير من جدل حول لقاح كورونا وغيره من اللقاحات. أما في لبنان، فقد عزّزت الأزمة الاقتصادية، التي عصفت بالبلاد، من انخفاض معدلات التلقيح في السنوات الفائتة، نظراً إلى تفاقم الأزمات المتتالية وبسبب الظروف المعيشية الصعبة، التي مرّت بها شريحة واسعة من المجتمع. شيئاً فشيئاً، استطاعت وزارة الصحة، دائرة الرعاية الصحية الأولية، إعادة تكثيف الجهود والمساعي، فرفعت معدّلات التلقيح لمختلف الفئات المجتمعية. كان هذا في صلب اهتمامات وأولويات وزارة الصحة العامة والشركاء الدوليين، مثل اليونيسف والأطراف المعنية.

التشديد على الثقه في القطاع العام للصحة:
شكّل دعم القطاع العام حجر أساس في السنوات السابقة في استراتيجية وزارة الصحة العامة، وتحديداً في مجال الحفاظ على صحة الأطفال وتحصينهم. وقد أكد وزير الصحة العامة الدكتور ركان ناصر الدين "إن إلتزام الوزارة تجاه صحة الأطفال راسخ رغم كل التحديات التي يواجهها لبنان. فهم مستقبل الوطن، ولكلّ طفل الحق في الحصول على أفضل رعاية صحيّة ممكنة، بغضّ النظر عن ظروفه". كذلك شدّد على إيمانه بأن دعم القطاع العام وتزويده بكلّ ما يلزم ليكون في طليعة المؤسسات التي تخدم المجتمع والأطفال، معتبراً أنّ تعزيز قدرات المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية استثمار في مستقبل لبنان، وضمان لحصول كل مواطن وطفل على حقه في الرعاية الصحية الجيدة.
لكن رفع معدلات التحصين لم يكن سهلاً، وهذا ما أكدته مسؤولة برنامج الصحة في اليونيسف لبنان، فرح مظلوم، إذ أشارت في حديث مع النهار إلى أن اللبنانيين تأثروا أولاً بجائحة كورونا، ومن بعدها بالأزمات وما نتج عنها من ضغوط معيشية واقتصادية. يضاف إلى ذلك أنه لم تكن هناك معرفة كافية بتوافر خدمات التلقيح المجانية في أكثر من 600 مركز رعاية صحية أولية ومستوصفات تابعة لوزارة الصحة العامة، إلى جانب غياب المعرفة عن جودة اللقاح، وطريقة إعطاء اللقاح، وكونها خدمة مجانية ذات جودة عاليه. لهذه الأسباب مجتمعة، كثرٌ امتنعوا عن التوجّه إلى هذه المراكز للحصول على اللقاحات المؤمنة من القطاع العام.
في الوقت نفسه، ثمّة معلومات خاطئة كثيرة يتم تداولها بشأن اللقاحات على وسائل التواصل الاجتماعي، ما ساهم بنشر المفاهيم الخاطئة بين الناس. لذلك، تؤكّد مظلوم أن اللقاحات الروتينية المتوافرة من أكثر من 100 عام، والتي تؤمّنها وزارة الصحة العامة والمتوافرة عامةً أجريت عليها أبحاث طوال سنوات، وثبت أنها كفيلة بإنقاذ حياة الملايين من الأطفال. تعتبر اللقاحات اليوم أكثر الإجراءات الخاصة بالصحة العامة فاعلية على مستوى العالم.
هل يسبّب اللقاح التوحّد؟
هناك جدل واسع ومخاوف كثيرين بشأن اللقاح مع الحديث عن احتمال تسبّبه بالتوحّد. الأحاديث الدائرة أدّت إلى ردود فعل من قبل الهيئات الطبية والجسم الطبي والخبراء لنفيها. توضح مظلوم بأن إحدى الدراسات الصادرة من سنوات عديدة (في التسعينيات) كانت سبباً في يوم من الأيام وراء هذا الجدل الحاصل والمخاوف بشأن اللقاحات وإمكان تسببها بالتوحد، لكنها لم تكن تستند (الدراسة) إلى الأسس العلمية الصحيحة، وتم التأكيد أنها غير صحيحة. على الرغم من ذلك، أثرت بالناس واستمروا بالعودة إلى نتائجها، في الوقت الذي أثبتت فيه كافة الدراسات أن اللقاح آمن وفاعل في حماية حياة الأطفال والراشدين أيضاً.
لقاحات وزارة الصحة آمنة و فعّالة و مجانية:
بسبب بعض المعلومات الخاطئة، يُحكى الكثير عن اللقاحات التي تؤمنها وزارة الصحة العامة في مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستوصفات على أنها تترك آثاراً جانبية عديدة، وأنها غير فاعلة أو غير آمنة. في الواقع، تؤكد مظلوم أنه يتمّ الاستثمار من سنوات عديدة في هذا المجال بملايين الدولارات، كما أن اليونيسف تدعم الوزارة منذ أن وجدت في لبنان، من قرابة 70 عاماً، في تأمين اللقاحات، وفق معايير منظمة الصحة العالمية. وقد أجريت على تلك اللقاحات تجارب كافية تؤكد كونها آمنة، بل تمتاز بالجودة المطلوبة. بالتالي، يمكن الجزم بأن مصدر اللقاحات التي تصل إلى لبنان هو نفسه ذاك الذي يتم توريد اللقاحات منه إلى دول أخرى في العالم، ولا مجال للشك في ذلك، لأن ثمة معايير دولية تعتمد بهذا الشأن، إلى جانب التمويل الذي قد تأمّن من قبل جهات عدة، سواء أكانت اليونيسف، من خلال تحالف غافي، أو من خلال غيره في السنوات الماضية.
حتى اليوم، لا يزال هناك حاجة إلى الوصول لجميع الأطفال، من خلال برنامج التحصين في وزاره الصحة العامة، وثمّة حاجة إلى تكثيف الجهود أكثر بعد لتعزيز هذه المعدلات وتوفير الحصانة التامة. وللبلديات والمدارس والحضانات والأطباء في القطاع الخاص والهيئات الصحية وغيرها من الجهات دور جوهري يؤدّونه، ولا بدّ من استمراره. هناك شراكة أساسية بين القطاعيين العام والخاص تحت برنامج التحصين الوطني، الذي يهدف إلى الوصول لجميع الأطفال بلقاحات منقذة للحياة.
وتوضح مظلوم بأنه إذا ارتفعت حرارة الطفل بشكل بسيط عند تلقّي اللقاح فينبغي الانتباه إلى أنها مسألة غير خطيرة، بل تدل على أن الجسم تفاعل مع اللقاح وأنه فعال. وعند ارتفاع الحرارة، يمكن للمعني أن يلجأ إلى مخفّضات الحرارة المتوافرة بشكل شبه مجاني في هذه المراكز التابعة للوزارة، التي يمكن اللجوء إليها للحصول على استشارة أطباء من مختلف التخصصات. فبدلاً من تأجيل اللقاح خوفاً من معتقدات خاطئة أو من أعراضه العادية والطبيعية وتعريض الطفل لمخاطر عديدة، ترتبط بالأمراض التي يمكن الإصابة بها، يمكن تلقي اللقاح بكل بساطة في أي مركز من مراكز الرعاية الصحية الأولية.
التعاون مع اليونيسف:
في سبيل تعزيز التحصين تتعاون اليونيسف مع وزارة الصحة العامة بالعمل على تطوير جودة الخدمات في نظام رعاية صحية أولية لبناء ثقة المواطن فيها. فكافة المراكز، وعددها أكثر من 600، تحتوي على برادات خاصة لحفظ اللقاحات بمعايير معينة. وهذه البرادات تعمل على الطاقة الشمسية حتى لا تتوقف عند حصول انقطاع في التيار الكهربائي. أما مراقبة الحرارة فتجري عن بعد، وهي عملية تحت السيطرة، من دون التواجد في المركز ذاته.
من جهة أخرى، توضح مظلوم بأن ثمة تدريبات مستمرة للعاملين في المراكز. ويجري العمل على تقديم دروس مجانية على موقع الوزارة للأطباء والممرضين حول كيفية إعطاء اللقاح وحفظه وفق المعايير المطلوبة.
ولتعزيز الوصول إلى جميع الأطفال، يجري التعاون مع الصليب الأحمر اللبناني للوصول إلى مناطق نائية وليس من السهل الوصول إليها لتوفير اللقاحات للفئات الأكثر هشاشة، إضافة إلى وضع برامج هدفها التحصين على نطاق واسع مثل برنامج "عسلامة".
لكن يبقى نقص الموارد عائقاً حيث إنه يصعب تأمينها بمعدلات كافية في البلاد. لكن تضافر الجهود بين كافة الجهات المعنية كفيل بتوفير التحصين على أوسع نطاق ممكن. هذا إضافة إلى أهمية نشر الوعي بين الأهل والتشديد على أهمية التحقق من مصادر المعلومات وعدم تصديق كل ما يحكى بهذا الشأن بطريقة عشوائية. ولا بد كذلك من التوعية على نطاق أوسع حول أن تلقيح الأطفال أولوية لا يمكن التغاضي عنها، لحمايتهم من أمراض كثيرة خطيرة يمكن أن تصيبهم.
نبض